و لمّا كانت مراتب الأسماء مرتبطا بعضها بالبعض، وأحكامها مشتبكة متداخلة بالتوافق والتباين الموضحين حكمي الإبرام والنقض، صارت أحوال الخلق - من حيث هم تحت حكم هذه المراتب، ومحلّ آثارها - متفاوتة مختلفة لأنّ اجتماعات تلك الأحكام الأسمائيّة تقع في المراتب الوجوديّة على ضروب، فتحصل بينهما كيفيّات معنويّة، مقرونة بتقلابلات روحية، فيحدث في البين ما يشبه المزاج في كونه متحصّلا عن تفاعل كيفيّات ناشئة عن امتزاج واقع بين الطبائع المختلفة وقواها. ونظيرها هناك التقابل والتباين اللذين بين الأسماء، فتظهر الغلبة لبعض المراتب الوجوديّة والأسمائيّة، كغلبة بعض الطبائع هنا على البعض، حتى يقال : هذا مزاج صفراوي ودموي وغير ذلك. ويقال : هناك زيد عبد العزيز، وآخر عبد الظاهر، وآخر عبد الباطن، وآخر عبد الجامع، وآدم في السماء الأولى، وعيسى في الثانية، وإبراهيم في السابعة ونحو ذلك.
ثم إنّه يحصل بين تلك الأمزجة المعنويّة والروحانيّة وبين هذه الأمزجة الطبيعيّة اجتماع آخر، تظهر له أحكام مختلفة تنحصر في ثلاثة أقسام : قسم يختصّ بمن غلبت عليه أحكام روحانيّته على أحكام طبيعته، حتى صارت قواه الطبيعيّة تابعة لقواه الروحانيّة وكالمستهلكة فيها، وقسم يختصّ بجمهور الخلق وهو عكس ما ذكرنا فإنّ قواهم وصفاتهم الروحانيّة مستهلكة تحت حكم قوى طبائعهم، وقسم ثالث يختصّ بالكمّل ومن شاء اللّه من الأفراد، وآيتهم أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى فافهم فهذا مقام لا يحتمل البسط.
ثم نقول : فيظهر لما قلنا بحسب الغلبة المذكورة حكم ما يقتضيه وصف الأمر الغالب من المراتب والأسماء والطبائع، وإن لم يخل المحلّ عن حكم الجميع، لكن إنّما ينتسب لمن ظهرت له السلطنة عليه، فمنزّه، ومشبّه، وجامع بين التنزيه والتشبيه، ومشرك، وموحّد، وغير ذلك.