وهذا البرزخ أيضا عبارة عن مبدأ تعيّنه سبحانه بنفسه لنفسه بصفة ظاهريّته ومظهريّته، وجمعه ببرزخيّته المذكورة بين الطرفين من حيث الإنسان الكامل، وهذا التعيّن البرزخي الوسطي أيضا هو أصل كلّ تعيّن، والمنبع لكلّ ما يسمّى شيئا سواء نسب ذلك التعيّن - أيّ تعيّن كان - إلى الحقّ، بمعنى أنّه اسم له أو صفة أو مرتبة، أو نسب إلى الكون أيضا بهذا الاعتبار الاسمي أو الصفاتي أو المرتبي، أو اعتبر أمرا ثالثا وهو ظهور الحقّ من حيث عينه ثانيا بالنسبة إلى ما قام منه مجلى لسائر تعيّناته أولا كما مرّ، وثالثا ورابعا، وهلمّ جرّا إلى ما لا نهاية له، فيما تعيّن لنفسه منه من كونه غير متعيّن، ثم فيما تعيّن ممّا تعيّن منه وبه، غيبا وشهادة، ممّا يسمّى عينا أو غيرا بالنسبة، فاعلم ذلك
وإذا تقرّر هذا، فاعلم، أنّ العبارات اختلفت في تعريف حضرة أحديّة الجمع، وكلّها صحيحة.
فإن قلت : إنّها الحقيقة الإنسانيّة الإلهيّة الكماليّة، التي كان كلّ إنسان كامل من حيث صورته الظاهرة مظهرا لتلك الحقيقة ولوازمها، صدقت، وإن سمّيتها برزخ الحضرتين :
الإلهيّة والكونيّة لكونها مشتملة على جميع الأحكام الإلهيّة والإمكانيّة، مع أنّها ليست بشيء زائد على معقوليّة أحديّة جمعها كسائر البرازخ، صدقت أيضا.
وإن سمّيتها مرآة الحضرتين، أو أنّها مرتبة صورة الحقّ والإنسان الكامل من غير تعديد، والحدّ الفاصل بين ما تعيّن من الحقّ، وكان مجلى لما لم يتعيّن منه ولم يتعدّد، صدقت، فكلّ ذلك ذاتي لها دائما أزلا وأبدا. وتقيّد الكمّل الذين هم أصحاب هذه المرتبة، من حيث بعض النشآت التي يظهرون بها بالزمان، لا يقدح فيما أصّلنا، ولا ينافي ما ذكرنا وقرّرنا.


الصفحة التالية
Icon