ثم نقول : الإنسان الكامل في كلّ عصر من حيث أحد وجهي هذه المرتبة - أعني الوجه الذي يلي غيب ذات الحقّ ولا يغايره ولا يمتاز عنه - يترجم، عن غيب الذات وشؤونها التي هي حقائق الأسماء ب " نحن " و" إنّا " و" لدينا " ونحو ذلك، ومن حيث الوجه الآخر الذي ينطبع فيه الأعيان وأحوالها يترجم عنها وعنه من حيث هي وبلسانها، ومن حيث هو أيضا بلسان جمعيّة خصوصيّته وما حوته ذاته من الأجزاء والخصائص والصفات والقوى الروحانيّة والجسمانيّة الطبيعيّة ب " نعبد " و" نستعين " و" اهدنا " ونحو ذلك، لإحاطة مرتبته الكماليّة هذه، الطرفين وما اشتملا عليه غيبا وشهادة، روحا وجسما، عموما وخصوصا، قوّة وفعلا، إجمالا وتفصيلا، فافهم، وأمعن التأمّل، وراجع ربّك بالتضرّع والافتقار فإنّه إن فكّ لك ختم هذا الكلام، عرفت سرّ الربوبيّة والعبوديّة في كلّ شيء، وسرّ العبادة والتوجّه والطلب والفوز والحرمان، وتحقّقت أنّ كلّ عابد متوجّه من حيث فرعيّته وخلقيّته، إلى أصله الإلهي المتعيّن به من مطلق غيب الذات في المرآة المذكورة الكماليّة الإنسانيّة الإلهيّة، بانعكاس حكميّ راجع من عرصة الإمكان، إلى المرآة المذكورة، فإيّاه يعبد، وإليه يتوجّه، ومنه بدأ، وإليه يعود.
هذا، مع أنّه ما عبد أحد إلّا اللّه، ولا توجّه إلّا إليه، من حيث إنّ تلك المرآة الكماليّة الإلهيّة قبلة كلّ موجود كان ويكون، ومن حيث مواجهة كلّ شيء من هذه المرآة وفيها أصله المحاذي والمتعيّن له به من غيب الذات، فكلّ أحد له قسط من الحقّ أخذه من مشكاة هذه المرتبة الكماليّة المسمّاة هنا بالمرآة، وذلك القسط عبارة عن تعيّن الحقّ من حيث شأن من شؤونه، وذو القسط صورة ذلك الشأن، فافهم.