و لمّا كان كلّ واحدة من المرتبتين المذكورتين - اللتين كانت حضرة أحديّة الجمع مرآة لهما وجامعة بالذات بينهما - أصلا من وجه، فرعا من آخر كما سبق التنبيه عليه في غير موضع من هذا الكتاب، من جملة ذلك قولنا : إنّ الحقّ من حيث باطنه مظهر لأحوال العالمين ومرآة من حيث حضرة أحديّة الجمع لأعيانها، فيه يرى البعض منها البعض، ويتّصل حكم البعض بالبعض، ويظهر أثر المتبوع المتقدّم بالشرف المرتبي والوجود والزمان على المتأخّر التابع، وبالعكس أيضا من حيث إنّ التابع المتأخّر من وجه آخر متقدّم متبوع وشرط كما بيّن من قبل في أوّليّة الحقّ من حيث الوجود، وآخريّته من حيث الصفات، كما أخبر سبحانه وأبان بقوله : اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وبقوله : هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وفي بيان مرتبة آخريّته من حيث الصفات بقوله تعالى : إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ و
بقوله عليه السّلام :" من عرف نفسه عرف ربّه "
بقوله :" إنّ اللّه لا يملّ حتى تملّوا "
بقوله :" كنت كنزا لم أعرف فأحببت أن أعرف " الحديث
، فافهم، واذكر، ومن حيث إنّ الحقّ مسمّى بالظاهر، كان العالم من حيث حقائقه مظاهر لوجوده ومجالي تعيّنات شؤونه، وكلّ مظهر فغير مرئيّ وإن كان الأثر له، وكلّ منطبع فظاهر ولا ينسب إليه أثر من حيث هو


الصفحة التالية
Icon