وأما مالك وسائر أصحابه إلاَّ أشهب فذهبوا في صلاة الخوف إلى حديث سهل بن أبي حَثْمَة، وهو ما رواه في موَطَّئه عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن صالح بن خَوّات الأنصاريّ أن سهل بن أبي حَثْمة حدّثه أن صلاة الخوف أن يقوم الإمام ومعه طائفة من أصحابه وطائفة مواجَهة العدوّ، فيركع الإمام ركعة ويسجدُ بالذين معه ثم يقوم، فإذا استوى قائماً ثبت، وأَتَموا لأنفسهم الركعة الباقية ثم يُسلمون وينصرفون والإمام قائم، فيكونون وجاه العدوّ، ثم يُقبل الآخرون الذين لم يصلوا فيكبّرون وراء الإمام فيركع بهم الركعة ويسجد ثم يسلم، فيقومون ويركعون لأنفسهم الركعة الباقية ثم يسلمون.
قال ابن القاسم صاحبُ مالك : والعمل عند مالك على حديث القاسم بن محمد عن صالح بن خوّات.
قال ابن القاسم : وقد كان يأخذ بحديث يزيد بن رُومان ثم رجع إلى هذا.
قال أبو عمر : حديث القاسم وحديث يزيد بن رُومان كلاهما عن صالح بن خوّات : إلاَّ أن بينهما فصلاً في السَّلام، ففي حديث القاسم أن الإمام يسلم بالطائفة الثانية ثم يقومون فيقضون لأنفسهم الركعة، وفي حديث يزيد بن رُومان أنه ينتظرهم ويسلّم بهم.
وبه قال الشافعيّ وإليه ذهب ؛ قال الشافعيّ : حديث يزيد ابن رُومان عن صالح بن خوّات هذا أشبه الأحاديث في صلاة الخوف بظاهر كتاب الله، وبه أقول.
ومن حجة مالك في اختياره حديث القاسم القياسُ على سائر الصلوات، في أن الإمام ليس له أن ينتظر أحداً سبقه بشيء منها، وأن السنّة المجتمعَ عليها أن يقضي المأمومون ما سبقوا به بعد سَلام الإمام.
وقول أبي ثور في هذا الباب كقول مالك، وقال أحمد كقول الشافعيّ في المختار عنده ؛ وكان لا يعيب من فعل شيئاً من الأوجه المروية في صلاة الخوف.


الصفحة التالية
Icon