وذهب أشهب من أصحاب مالك إلى حديث ابن عمر قال : صلّى رسول الله ﷺ صلاة الخوف بإحدى الطائفتين ركعة والطائفةُ الأخرى مواجهة العدو، ثم انصرفوا وقاموا مقام أصحابهم مقبلين على العدو، وجاء أُولئك ثم صلى بهم النبيّ ﷺ ركعة ثم سلم النبي ﷺ، ثم قضى هؤلاء ركعة وهؤلاء ركعة.
وقال ابن عمر : فإذا كان خوفٌ أكثر من ذلك صلّى راكباً أو قائماً يومىء إيماء، أخرجه البخاريّ ومسلم ومالك وغيرهم.
وإلى هذه الصفة ذهب الأوزاعيّ، وهو الذي ارتضاه أبو عمر بن عبد البر، قال : لأنه أصحُّها إسناداً، وقد ورد بنقل أهل المدينة وبهم الحجة على من خالفهم، ولأنه أشبه بالأُصول، لأن الطائفة الأولى والثانية لم يقضوا الركعة إلاَّ بعد خروج النبيّ ﷺ من الصَّلاة، وهو المعروف من سنّته المجتَمع عليها في سائر الصلوات.
وأما الكوفيون : أبو حنيفة وأصحابه إلاَّ أبا يوسف القاضي يعقوب فذهبوا إلى حديث عبد الله بن مسعود، أخرجه أبو داود والدارقطني قال : صلى رسول الله ﷺ صلاة الخوف فقاموا صفّين، صفاً خلف النبيّ ﷺ وصفّاً مستقبِل العدوّ، فصلى بهم النبيّ ﷺ ركعة، وجاء الآخرون فقاموا مقامهم، واستقبل هؤلاء العدوّ فصلى بهم رسول الله ﷺ ثم سلّم، فقام هؤلاء فصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلّموا ثم ذهبوا فقاموا مقام أُولئك مستقبلين العدوّ، ورجع أُولئك إلى مقامهم فصلّوا لأنفسهم ركعة ثم سلّموا.
وهذه الصفة والهيئة هي الهيئة المذكورة في حديث ابن عمر إلاَّ أن بينهما فرقاً ؛ وهو أن قضاء أُولئك في حديث ابن عمر يظهر أنه في حالة واحدة ويبقى الإمام كالحارس وحده، وهاهنا قضاؤهم متفرق على صفة صلاتهم.
وقد تأوّل بعضهم حديث ابن عمر على ما جاء في حديث ابن مسعود.


الصفحة التالية
Icon