قال الواحدي : هذا معنى وليس بتفسير، وذلك لأن الاستحياء من الناس يوجب الاستتار من الناس والاستخفاء منهم، فأما أن يقال : الاستحياء هو نفس الاستخفاء فليس الأمر كذلك، وقوله :﴿وَهُوَ مَعَهُمْ﴾ يريد بالعلم والقدرة والرؤية، وكفى هذا زاجراً للإنسان عن المعاصي، وقوله :﴿إِذْ يُبَيّتُونَ مَا لاَ يرضى مِنَ القول﴾ أي يضمرون ويقدرون في أذهانهم وذكرنا معنى التبييت في قوله :﴿بيت طائفة منهم﴾ [ النساء : ٨١ ] والذي لا يرضاه الله من القول هو أن طعمة قال : أرمي اليهودي بأنه هو الذي سرق الدرع وأحلف أني لم أسرقها، فيقبل الرسول يميني لأني على دينه ولا يقبل يمين اليهودي.
فإن قيل : كيف سمي التبييت قولاً وهو معنى في النفس ؟
قلنا : مذهبنا أن الكلام الحقيقي هو المعنى القائم بالنفس، وعلى هذا المذهب فلا إشكال، ومن أنكر كلام النفس فله أن يجيب بأن طعمة وأصحابه لعلّهم اجتمعوا في الليل ورتبوا كيفية الحيلة والمكر، فسمى الله تعالى كلامهم ذلك بالقول المبيت الذي لا يرضاه، فأما قوله ﴿وَكَانَ الله بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً﴾ فالمراد الوعيد من حيث إنهم وإن كانوا يخفون كيفية المكر والخداع عن الناس إلا أنها كانت ظاهرة في علم الله، لأنه تعالى محيط بجميع المعلومات لا يخفى عليه سبحانه منها شيء. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ٢٩﴾
وقال الآلوسى :
﴿ يَسْتَخْفُونَ مِنَ الناس ﴾ أي يستترون منهم حياءاً وخوفاً من ضررهم، وأصل ذلك طلب الخفاء وضمير الجمع عائد على ﴿ الذين يَخْتَانُونَ ﴾ [ النساء : ١٠٧ ] على الأظهر، والجملة مستأنفة لا موضع لها من الإعراب.


الصفحة التالية
Icon