وقيل : هي في موضع الحال من ﴿ مِنْ ﴾ ﴿ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ الله ﴾ أي ولا يستحيون منه سبحانه وهو أحق بأن يستحى منه ويخاف من عقابه، وإنما فسر الاستخفاء منه تعالى بالاستحياء لأن الاستتار منه عز شأنه محال فلا فائدة في نفيه ولا معنى للذم في عدمه، وذكر بعض المحققين أن التعبير بذلك من باب المشالكة ﴿ وَهُوَ مَعَهُمْ ﴾ على الوجه اللائق بذاته سبحانه، وقيل : المراد أنه تعالى عالم بهم وبأحوالهم فلا طريق إلى الاستخفاء منه تعالى سوى ترك ما يؤاخذ عليه ؛ والجملة في موضع الحال من ضمير يستخفون.
﴿ إِذْ يُبَيّتُونَ ﴾ أي يدبرون ولما كان أكثر التدبير مما يبيت عبر به عنه والظرف متعلق بما تعلق به قبله، وقيل : متعلق ب ﴿ يَسْتَخْفُونَ ﴾.
﴿ مَا لاَ يرضى مِنَ القول ﴾ من رمي البريء وشهادة الزور.
قال النيسابوري : وتسمية التدبير وهو معنى في النفس قولاً لا إشكال فيها عند القائلين بالكلام النفسي ؛ وأما عند غيرهم فمجاز، أو لعلهم اجتمعوا في الليل ورتبوا كيفية المكر فسمى الله تعالى كلامهم ذلك بالقول المبيت الذي لا يرضاه سبحانه، وقد تقدم لك في المقدمات ما ينفعك ههنا فتذكر ﴿ وَكَانَ الله بِمَا يَعْمَلُونَ ﴾ أي بعملهم أو بالذي يعملونه من الأعمال الظاهرة والخافية ﴿ مُحِيطاً ﴾ أي حفيظاً كما قال الحسن أو عالماً لا يعزب عنه شيء ولا يفوت كما قال غيره وعلى القولين الإحاطة هنا مجاز ونظمها البعض في سلك المتشابه. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٥ صـ ١٤١﴾
وقال ابن عاشور :
وجملة :﴿ يستخفون من الناس ﴾ بيان ل ﴿ يختانون ﴾.
وجملة :﴿ ولا يستخفون من الله ﴾ حال، وذلك هو محلّ الاستغراب من حالهم وكونهم يختانون أنفسهم.
والاستخفاء من الله مستعمل مجازا في الحياء، إذ لا يعتقد أحد يؤمن بالله أنّه يستطيع أن يستخفي من الله.