وَمِنْ مَبَاحِثِ الْأُصُولِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَسْأَلَةُ حُكْمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْوَحْيِ فَقَطْ، أَوْ بِالْوَحْيِ تَارَةً وَبِالِاجْتِهَادِ أُخْرَى، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ قَوْلَهُ - تَعَالَى - : أَرَاكَ اللهُ مَعْنَاهُ : أَعْلَمَكَ عِلْمًا يَقِينِيًّا كَالرُّؤْيَةِ فِي الْقُوَّةِ وَالظُّهُورِ، وَمَا ذَلِكَ إِلَّا الْوَحْيُ الَّذِي يَفْهَمُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُ مُرَادَ اللهِ فَهْمًا قَطْعِيًّا، وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - كَانَ يَقُولُ :" لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ قَضَيْتُ بِمَا أَرَانِي اللهُ - تَعَالَى -، فَإِنَّ اللهَ - تَعَالَى - لَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ إِلَّا لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَمَّا أَحَدُنَا فَرَأْيُهُ أَنْ يَكُونَ ظَنًّا لَا عِلْمًا "، ذَكَرَهُ الرَّازِيُّ ثُمَّ قَالَ :
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ : قَالَ الْمُحَقِّقُونَ : هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا كَانَ يَحْكُمُ إِلَّا بِالْوَحْيِ وَالنَّصِّ، ثُمَّ فَرَّعَ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ الِاجْتِهَادَ مَا كَانَ جَائِزًا لَهُ، وَإِنَّمَا
يَجِبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ بِالنَّصِّ، وَذَكَرَ أَنَّ الْأَمْرَ بِاتِّبَاعِهِ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ الْقِيَاسِ، وَعَدَمَ جَوَازِهِ لَوْلَا أَنْ أُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْقِيَاسَ ثَبَتَ بِالنَّصِّ أَيْضًا.


الصفحة التالية
Icon