وَقَالَ الْإِمَامُ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ الطُّوفِيُّ الْحَنْبَلِيُّ فِي " كِتَابِ الْإِشَارَاتِ الْإِلَهِيَّةِ إِلَى الْمَبَاحِثِ الْأُصُولِيَّةِ " : لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ، يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا نَصَّهُ لَكَ فِي الْكِتَابِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا أَرَاكَهُ بِوَاسِطَةِ نَظَرِكَ وَاجْتِهَادِكَ فِي أَحْكَامِ الْكِتَابِ وَأَدِلَّتِهِ، وَفِيهِ عَلَى هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَجْتَهِدُ فِيمَا لَا نَصَّ عِنْدِهِ فِيهِ مِنَ الْحَوَادِثِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ خِلَافٍ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ.
" حُجَّةُ مَنْ أَجَازَ هَذِهِ الْآيَةَ أَنَّ الِاجْتِهَادَ فِي الْأَحْكَامِ مَنْصِبُ كَمَالٍ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُفَوِّتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ دَلَّ عَلَى وُقُوعِهِ مِنْهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :" لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَ وَلَوْ سَمِعْتُ شِعْرَهُ قَبْلَ قَتْلِهِ لَمْ أَقْتُلْهُ "، فِي قَضِيَّتَيْنِ مَشْهُورَتَيْنِ.
حُجَّةُ الْمَانِعِ : وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٥٣ : ٣، ٤)، وَلِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى يَقِينِ الْوَحْيِ، وَالِاجْتِهَادُ لَا يُفِيدُ الْيَقِينَ لِجَوَازِهِ فِي حَقِّهِ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ كَالتَّيَمُّمِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ.
" ثُمَّ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ أَنَّ الِاجْتِهَادَ جَائِزٌ لَهُ، هَلْ يَقَعُ مِنْهُ الْخَطَأُ فِيهِ أَمْ لَا ؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْأُصُولِيِّينَ أَحَدُهُمَا : لَا، لِعِصْمَتِهِ، وَالثَّانِي : نَعَمْ بِشَرْطِ أَلَّا يُقِرَّ عَلَيْهِ