أَقُولُ : ظَاهِرُ الرِّوَايَاتِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَالَ إِلَى تَصْدِيقِ الْمُسْلِمِينَ وَإِدَانَةِ الْيَهُودِيِّ لِمَا كَانَ يَغْلُبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ الْعَهْدِ مِنَ الصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ، وَعَلَى الْيَهُودِ مِنَ الْكَذِبِ وَالْخِيَانَةِ ; وَلِذَلِكَ قَالَ الْعُلَمَاءُ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ : إِنَّ أُولَئِكَ الْمُسْلِمِينَ، لَمْ يَكُونُوا إِلَّا مُنَافِقِينَ ; لِأَنَّ مِثْلَ عَمَلِ طُعْمَةَ وَتَأْيِيدِ مَنْ أَيَّدَهُ فِيهِ لَا يَصْدُرُ عَمْدًا إِلَّا مِنْ مُنَافِقٍ، وَتَبِعَ ذَلِكَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَّ لَوْ يَكُونُ الْفَلْجُ بِالْحَقِّ فِي الْخُصُومَةِ لِلْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يُرَجَّحُ صِدْقُهُمْ، فَأَرَادَ أَنْ يُسَاعِدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَفْعَلِ انْتِظَارًا لِوَحْيِ اللهِ - تَعَالَى -، فَعَلَّمَهُ اللهُ - تَعَالَى - بِهَذِهِ الْآيَاتِ وَعَلَّمَنَا أَنَّ الِاعْتِقَادَ الشَّخْصِيَّ، وَالْمَيْلَ الْفِطْرِيَّ وَالدِّينِيَّ، لَا يَنْبَغِي أَنْ يَظْهَرَ لَهُمَا أَثَرٌ مَا فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ، وَلَا أَنْ يُسَاعِدَ الْقَاضِي مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ هُوَ صَاحِبُ الْحَقِّ، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يُسَاوِي بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ الْوَاجِبُ، وَكَانَ ذَلِكَ الْمَيْلُ إِلَى تَأْيِيدِ مَنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ يُفْضِي إِلَى مُسَاعَدَتِهِ فِي الْخُصُومَةِ فَيَكُونُ الْحَاكِمُ خَصِيمًا عَنْهُ لَوْ فَعَلَ، وَإِذَا كَانَ طَلَبُ الِانْتِصَارِ لَهُمْ مِنَ الْخَائِنِينَ فِي الْوَاقِعِ وَنَفْسُ الْأَمْرِ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ، فَقَدْ وَجَبَ الِاسْتِغْفَارُ مِنْ هَذَا الِاجْتِهَادِ وَحُسْنِ الظَّنِّ فَهَذَا أَحْسَنُ مَا