ويجيب هؤلاء المحتضرون، في لحظة الاحتضار، على هذا الاستنكار، جواباً كله مذلة، ويحسبونه معذرة على ما فيه من مذلة.
﴿ قالوا : كنا مستضعفين في الأرض ﴾..
كنا مستضعفين. يستضعفنا الأقوياء. كنا أذلاء في الأرض لا نملك من أمرنا شيئاً.
وعلى كل ما في هذا الرد من مهانة تدعو إلى الزراية ؛ وتنفر كل نفس من أن يكون هذا موقفها في لحظة الاحتضار، بعد أن يكون هذا موقفها طوال الحياة.
. فإن الملائكة لا يتركون هؤلاء المستضعفين الظالمي أنفسهم. بل يجبهونهم بالحقيقة الواقعة ؛ ويؤنبونهم على عدم المحاولة، والفرصة قائمة :
﴿ قالوا : ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها؟! ﴾..
إنه لم يكن العجز الحقيقي هو الذي يحملهم - إذن - على قبول الذل والهوان والاستضعاف، والفتنة عن الإيمان.. إنما كان هناك شيء آخر.. حرصهم على أموالهم ومصالحهم وأنفسهم يمسكهم في دار الكفر، وهناك دار الإسلام. ويمسكهم في الضيق وهناك أرض الله الواسعة. والهجرة إليها مستطاعة ؛ مع احتمال الآلام والتضحيات.
وهنا ينهي المشهد المؤثر، بذكر النهاية المخيفة :
﴿ فأولئك مأواهم جهنم، وساءت مصيراً ﴾..
ثم يستثني من لا حيلة لهم في البقاء في دار الكفر ؛ والتعرض للفتنة في الدين ؛ والحرمان من الحياة في دار الإسلام من الشيوخ الضعاف، والنساء والأطفال ؛ فيعلقهم بالرجاء في عفو الله ومغفرته ورحمته. بسبب عذرهم البين وعجزهم عن الفرار :
﴿ إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان، لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً. فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم، وكان الله عفواً غفوراً ﴾..


الصفحة التالية
Icon