وقال الآلوسى :
﴿ وَلاَ تجادل عَنِ الذين يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ ﴾ أي يخونونها وجعلت خيانة الغير خيانة لأنفسهم لأن وبالها وضررها عائد عليهم، ويحتمل أنه جعلت المعصية خيانة فمعنى ﴿ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ ﴾ يظلمونها باكتساب المعاصي وارتكاب الآثام، وقيل : الخيانة مجاز عن المضرة ولا بعد فيه، والمراد بالموصول إما السارق أو المودع المكافر وأمثاله، وإما هو ومن عاونه فإنه شريك له في الإثم والخيانة، والخطاب للنبي ﷺ وهو عليه الصلاة والسلام المقصود بالنهي، والنهي عن الشيء لا يقتضي كون المنهي مرتكباً للمنهي عنه، وقد يقال : إن ذلك من قبيل ﴿ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ﴾ [ الزمر : ٦٥ ] ومن هنا قيل : المعنى لا تجادل أيها الإنسان.
﴿ إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً ﴾ كثير الخيانة مفرطاً فيها ﴿ أَثِيماً ﴾ منهمكاً في الإثم، وتعليق عدم المحبة المراد منه البغض والسخط بصيغة المبالغة ليس لتخصيصه بل لبيان إفراط بني أبيرق وقومهم في الخيانة والإثم.
وقال أبو حيان : أتى بصيغة المبالغة فيهما ليخرج منه من وقع منه الإثم والخيانة مرة ومن صدر منه ذلك على سبيل الغفلة وعدم القصد، وليس بشيء، وإرداف الخوان بالإثم قيل : للمبالغة، وقيل : إن الأول : باعتبار السرقة أو إنكار الوديعة، والثاني : باعتبار تهمة البريء، وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما وقدمت صفة الخيانة على صفة الإثم لأنها سبب له، أو لأن وقوعهما كان ذلك، أو لتواخي الفواصل على ما قيل. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٥ صـ ١٤٠ ـ ١٤١﴾
وقال ابن عاشور :
والخطاب في قوله :﴿ ولا تجادل ﴾ للرسول، والمراد نهي الأمّة عن ذلك، لأنّ مثله لا يترقّب صدوره من الرسول عليه الصلاة والسلام كما دلّ عليه قوله تعالى :﴿ ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا ﴾.


الصفحة التالية
Icon