ومعنى ذلك أنّ علمهم بأمانته يزعهم عن محاولة ترويج الباطل عليه إذ قد اشتهر بين الناس، مؤمنهم وكافرهم، أنّ محمداً ﷺ أمين فلا يسعهم إلاّ حكاية الصدق عنده، وأنّ بني ظَفَر لما اشتكوا إليه من صنيع قتادة بن النعمان وعمّه كانوا يظنّون أنّ أصحابهم بني أبيرق على الحقّ، أوْ أنّ بني أبيرق لمّا شكوا إلى رسول الله بما صنعه قتادة كانوا موجسِين خِيفة أن يُطلع الله رسوله على جليّة الأمر، فكان ما حاولوه من تضليل الرسول طمعاً لا هَمّا، لأنّ الهمّ هو العزم على الفعل والثقة به، وإنّما كان انتفاءُ همّهم تضليلَه فضلاً ورحمة، لدلالته على وقاره في نفوس الناس، وذلك فضل عظيم.
وقيل في تفسير هذا الانتفاء : إنّ المراد انتفاء أثره، أي لولا فضل الله لضلِلْت بهمّهم أن يُضلّوك، ولكن الله عصمك عن الضلال، فيكون كناية.
وفي هذا التفسير بُعد من جانب نظم الكلام ومن جانب المعنى.
ومعنى :﴿ وما يضلون إلا أنفسهم ﴾ أنّهم لو همُّوا بذلك لكان الضلال لاحقاً بهم دونك، أي يكونون قد حاولوا ترويج الباطل واستغفال الرسول، فحقّ عليهم الضلال بذلك، ثم لا يجدونك مصغِيا لضلالهم. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٤ صـ ٢٥١﴾
قوله تعالى ﴿وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَىْء﴾

فصل


قال الفخر :
﴿وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَىْء﴾ فيه وجهان :
الأول : قال القفال رحمه الله : وما يضرونك في المستقبل، فوعده الله تعالى في هذه الآية بادامة العصمة له مما يريدون من إيقاعه في الباطل.
الثاني : أن المعنى أنهم وإن سعوا في إلقائك في الباطل فأنت ما وقعت في الباطل، لأنك بنيت الأمر على ظاهر الحال، وأنت ما أمرت إلا ببناء الأحكام على الظواهر. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ٣٢﴾


الصفحة التالية
Icon