ولما كان التقدير : فإن من أشرك به فقد افترى إثماً مبيناً، عطف عليه قوله :﴿ومن يشرك﴾ أي يوقع هذا الفعل القذر جداً في أي وقت كان من ماض أو حال أو استقبال مداوماً على تجديده ﴿بالله﴾ أي الملك الذي لا نزاع في تفرده بالعظمه لأنه لا خفاء في ذلك عند أحد ﴿فقد ضل﴾ أي ذهب عن السنن الموصل ﴿ضلالاً بعيداً﴾ لا تمكن سلامة مرتكبه، وطوزى مقدمة الافتراء الذي هو تعمد الكذب، وذكر مقدمة الضلال، لأن معظم السياق للعرب أهل الأوثان والجهل فيهم فاش، بخلاف ما مضى لأهل الكتاب فإن كفرهم عن علم فهو تعمد للكذب. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٣١٩﴾
وقال ابن عاشور :
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ﴾
استئناف ابتدائي، جعل تمهيداً لما بعده من وصف أحوال شركهم.
وتعقيب الآية السابقة بهذه مشير إلى أنّ المراد باتّباع غير سبيل المؤمنين اتّباع سبيل الكفر من شرك وغيره، فعقّبه بالتحذير من الشرك، وأكّده بأنّ للدلالة على رفع احتمال المبالغة أو المجاز.
وتقدّم القول في مثل هذه الآية قريباً.
غير أنّ الآية السابقة قال فيها ﴿ ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيماً ﴾ [ النساء : ٤٨ ] وقال في هذه ﴿ فقد ضل ضلالاً بعيداً ﴾ وإنّما قال في السابقة ﴿ فقد افترى إثماً عظيماً ﴾ لأنّ المخاطب فيها أهل الكتاب بقوله :﴿ يا أيّها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزّلنا مصدّقاً لما معكم ﴾ [ النساء : ٤٧ ] فنبّهوا على أنّ الشرك من قبيل الافتراء تحذيراً لهم من الافتراء وتفظيعاً لجنسه.
وأمّا في هذه الآية فالكلام موجه إلى المسلمين فنبّهوا على أنّ الشرك من الضلال تحذيراً لهم من مشاقة الرسول وأحوال المنافقين فإنها من جنس الضلال.
وأكِّدَ الخبر هنا بحرف ( قَدْ ) اهتماماً به لأنّ المواجه بالكلام هنا المؤمنون، وهم لا يشكّون في تحقّق ذلك.