وقال الماوردِي :"فينبغي لمن يقدر على إسداء المعروف أن يعجله حذار فواته، ويبادر به خِيفةَ عجزه، وليعلم أنه من فُرض زمانه، وغنائم إمكانه، ولا يهمله ثقة بالقدرة عليه، فكم من واثق بالقدرة فاتت فأعقبت نَدَما، ومعوّل على مِكْنَة زالت فأوْرثَتْ خجلاً، كما قال الشاعر :
ما زلت أسمع كم من واثق خجل...
حتى ابتليت فكنت الواثق الخجلا
ولو فطِن لنوائب دهره، وتحفظ من عواقب أمره لكانت مغانمه مذخورة، ومغارمه مجبورة، فقد روي عن النبيّ ﷺ أنه قال :
" مَن فُتح عليه باب من الخير فلينتهزه فإنه لا يدري متى يغلق عنه " وروي عنه ﷺ أنه قال :" لكل شيء ثمرة وثمرة المعروف السراح " وقيل لأنُو شِرْوان : ما أعظم المصائب عندكم ؟ قال : أن تقدر على المعروف فلا تصطنعه حتى يفوت.
وقال عبد الحميد : من أخّر الفُرصة عن وقتها فليكن على ثقة من فوتها.
وقال بعض الشعراء :
إذا هبّتْ رياحُك فاغتنمها...
فإنّ لكل خافِقَة سُكونُ
ولا تغفل عن الإحسان فيها...
فما تدري السكون متى يكون
وكتب بعض ذوي الحرمات إلى والٍ قصّر في رعاية حُرْمته :
أعَلَى الصراط تريد رِعْية حرمتي...
أم في الحساب تمنّ بالإنعام
للنفع في الدنيا أُريدك، فانتبه...
لحوائجي من رقدة النوّام
وقال العباس رضي الله عنه : لا يتم المعروف إلا بثلاث خصال : تعجيله وتصغيره وستره، فإذا عجلته هنأته، وإذا صغرته عظّمته، وإذا سترته أتممْته.
وقال بعض الشعراء :
زاد معروفُك عندي عظما...
إنه عندك مستور حقير
تتناساه كأنْ لم تأتِه...
وهو عند الناس مشهور خطير
ومن شرط المعروف تركُ الامتنان به، وترك الإعجاب بفعله، لما فيهما من إسقاط الشكر وإحباط الأجر.
وقد تقدّم في "البقرة" بيانه.