أولها : قوله ﴿لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً﴾ الفرض في اللغة القطع، والفرضة الثلمة التي تكون في طرف النهر، والفرض الحز الذي في الوتر، والفرض في القوس الحز الذي يشد فيه الوتر، والفريضة ما فرض الله على عباده وجعله حتماً عليهم قطعاً لعذرهم، وكذا قوله ﴿وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً﴾ [ البقرة : ٢٣٧ ] أي جعلتم لهن قطعة من المال.
إذا عرفت هذا فنقول : معنى الآية أن الشيطان لعنه الله قال عند ذلك : لأتخذن من عبادك حظاً مقدراً معيناً، وهم الذين يتبعون خطواته ويقبلون وساوسه، وفي التفسير عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال :" من كل ألف واحد لله وسائره للناس ولإبليس ".
فإن قيل : النقل والعقل يدلان على أن حزب الشيطان أكثر عدداً من حزب الله.
أما النقل : فقوله تعالى في صفة البشر ﴿فاتبعوه إِلاَّ فَرِيقاً مّنَ المؤمنين﴾ [ سبأ : ٢٠ ] وقال حاكياً عن الشيطان ﴿لاحْتَنِكَنَّ ذُرّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً﴾ [ الإسراء : ٦٢ ].
وحكي عنه أيضاً أنه قال ﴿لأَغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين﴾ [ ص : ٨٢، ٨٣ ] ولا شك أن المخلصين قليلون.
وأما العقل : فهو أن الفساق والكفار أكثر عدداً من المؤمنين المخلصين، ولا شك أن الفساق والكفار كلهم حزب إبليس.
إذا ثبت هذا فنقول : لم قال ﴿لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً﴾ مع أن لفظ النصيب لا يتناول القسم الأكثر، وإنما يتناول الأقل ؟
والجواب : أن هذا التفاوت إنما يحصل في نوع الشر، أما إذا ضممت زمرة الملائكة مع غاية كثرتهم إلى المؤمنين كانت الغلبة للمؤمنين المخلصين، وأيضاً فالمؤمنون وإن كانوا قليلين في العدد إلا أن منصبهم عظيم عند الله، والكفار والفساق وإن كانوا كثيرين في العدد فهم كالعدم، فلهذا السبب وقع اسم النصيب على قوم إبليس. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ٣٨﴾
وقال أبو حيان :