وليس قوله :﴿ من عبادك ﴾ إنكاراً من الشيطان لعبوديته لله، ولكنّها جلافة الخطاب النَّاشئة عن خباثة التفكير المتأصّلة في جبلّته، حتّى لا يستحضر الفكر من المعاني المدلولة إلاّ ما له فيه هوى، ولا يتفطّن إلى ما يحفّ بذلك من الغلظة، ولا إلى ما يفوته من الأدب والمعاني الجميلة، فكلّ حظّ كان للشيطان في تصرّفات البشر من أعمالهم المعنوية : كالعقائد والتفكيرات الشريرة، ومن أعمالهم المحسوسة : كالفساد في الأرض، والإعلان بخدمة الشيطان : كعبادة الأصنام، والتقريب لها، وإعطاء أموالهم لضلالهم، كلّ ذلك من النصيب المفروض. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٤ صـ ٢٥٦ ـ ٢٥٧﴾
فائدة
قال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ لَّعَنَهُ الله ﴾ أصل اللعن الإبعاد، وقد تقدّم.
وهو في العرف إبعاد مقترن بسخط وغضب ؛ فلعنة الله على إبليس عليه لعنة الله على التعيين جائزة، وكذلك سائر الكفرة الموتى كفرعون وهامان وأبي جهل ؛ فأما الأحياء فقد مضى الكلام فيه في "البقرة".
قوله تعالى :﴿ وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً ﴾ أي وقال الشيطان ؛ والمعنى : لأستخلصنّهم بغوايتي وأضلنّهم بإضلالي، وهم الكفرة والعصاة.
وفي الخبر " من كل ألفٍ واحد لله والباقي للشيطان ".
قلت : وهذا صحيح معنى ؛ يعضده قوله تعالى لآدم يوم القيامة :"ابعث بعث النار" فيقول : وما بعث النار ؟ فيقول من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين".
أخرجه مسلم.
وبعث النار هو نصيب الشيطان. والله أعلم.
وقيل : من النصيب طاعتهم إياه في أشياء، منها أنهم كانوا يضربون للمولود مسماراً عند ولادته، ودوَرانهم به يوم أسبوعه، يقولون : ليعرفه العُمَّار. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٥ صـ ٣٨٨﴾.


الصفحة التالية