ولما كانت أمانيهم أنهم لا يجازون بأعمالهم الخبيثة، أنتج ذلك لا محالة قوله :﴿من يعمل سوءاً يجز به﴾ أي بالمصائب من الأمراض وغيرها، عاجلاً إن أريد به الخير، وآجلاًَ إن أريد به الشر، وما أحسن إيلاؤها لتمنيه الشيطان المذكورة في قوله ﴿يعدهم ويمنيهم ﴾[ النساء : ١٢٠ ] فيكون الكلام وافياً بكشف عوار شياطين الجن ثم الإنس في غرورهم لمن خف معهم مؤيساً لمن قبل منهم، وما أبدع ختامها بقوله :﴿ولا يجد له﴾ ولما كان كل أحد قاصراً عن مولاه، عبر بقوله :﴿من دون الله﴾ أي الذي حاز جميع العظمة ﴿ولياً﴾ أي قريباً يفعل معه ما يفعل القريب ﴿ولا نصيراً﴾ أي ينصره في وقت ما! وما أشد التئامها بختام أول الآيات المحذرة منهم ﴿ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يشترون الضلالة﴾ [ النساء : ٤٤ ] إلى قوله ﴿وكفى بالله ولياً وكفى بالله نصيراً﴾ [ النساء : ٤٥ ] إشارة إلى أن مقصود المنافقين من مشايعة أهل الكتاب ومتابعتهم إنما هو الولاية والنصرة، وأنهم قد ضيعوا منيتهم فاستنصروا بمن لا نصرة له، وتركوا من ليست النصرة إلا له. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٣٢٢ ـ ٣٢٣﴾
وقال ابن عاشور :
الأظهر أنّ قوله :﴿ ليس بأمانيكم ﴾ استئناف ابتدائي للتنويه بفضائل الأعمال، والتشويه بمساويها، وأنّ في ( ليس ) ضميراً عائداً على الجزاء المفهوم من قوله :﴿ يجز به ﴾، أي ليس الجزاء تابعاً لأماني الناس ومشتهاهم، بل هو أمر مقدّر من الله تعالى تقديراً بحسب الأعمال، وممّا يؤيّد أن يكون قوله :﴿ ليس بأمانيكم ﴾ استئنافاً ابتدائياً أنّه وقع بعد تذييل مُشعر بالنهاية وهو قوله :﴿ ومن أصْدق من الله قيلاً ﴾ [ النساء : ١٢٢ ].