الوجه الرابع في الجواب : هب أن النص يعم المؤمن والكافر، ولكن قوله ﴿وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء﴾ [ النساء : ٤٨ ] أخص منه والخاص مقدم على العام، ولأن إلحاق التأويل بعمومات الوعيد أولى من إلحاقه بعمومات الوعد لأن الوفاء بالوعد كرم، وإهمال الوعيد وحمله على التأويل بالتعريض جود وإحسان. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ٤٢ ـ ٤٣﴾
فصل
قال الفخر :
دلّت الآية على أن الكفار مخاطبون بفروع الشرائع لأن قوله ﴿مَن يَعْمَلْ سُوءا﴾ يتناول جميع المحرمات، فدخل فيه ما صدر عن الكفار مما هو محرم في دين الإسلام ثم قوله ﴿يُجْزَ بِهِ﴾ يدل على وصول جزاء كل ذلك إليهم.
فإن قيل : لم لا يجوز أن يكون ذلك الجزاء عبارة عما يصل إليهم من الهموم والغموم في الدنيا.
قلنا : إنه لا بدّ وأن يصل جزاء أعمالهم الحسنة إليهم في الدنيا إذ لا سبيل إلى إيصال ذلك الجزاء إليهم في الآخرة، وإذا كان كذلك فهذا يقتضي أن يكون تنعمهم في الدنيا أكثر ولذاتهم هاهنا أكمل، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام :" الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر " وإذا كان كذلك امتنع أن يقال : إن جزاء أفعالهم المحظورة تصل إليهم في الدنيا، فوجب القول بوصول ذلك الجزاء إليهم في الآخرة. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ٤٣﴾
فصل
قال الفخر :
قالت المعتزلة : دلت الآية على أن العبد فاعل، ودلت أيضاً على أنه بعمل السوء يستحق الجزاء، وإذا دلت الآية على مجموع هذين الأمرين فقد دلت على أن الله غير خالق لأفعال العباد، وذلك من وجهين : أحدهما : أنه لما كان عملاً للعبد امتنع كونه عملاً لله تعالى لاستحالة حصول مقدور واحد بقادرين، والثاني : أنه لو حصل بخلق الله تعالى لما استحق العبد عليه جزاء ألبتة وذلك باطل، لأن الآية دالة على أن العبد يستحق الجزاء على عمله، واعلم أن الكلام على هذا النوع من الاستدلال مكرر في هذا الكتاب. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ٤٣ ـ ٤٤﴾