ولما كان التقدير : فقد خسر من تابعه في ذلك، لأنه صار للشيطان ولياً ؛ عطف عليه معمماً قوله :﴿ومن يتخذ﴾ أي يتكلف منهم ومن غيرهم تغيير الفطرة الأولى فيأخذ ﴿الشيطان ولياً﴾ ولما كان ذلك ملزوماً لمحادة الله سبحانه وتعالى، وكان ما هو أدنى من رتبته في غاية الكثرة ؛ بعّض ليفهم الاستغراق من باب الأولى فقال :﴿من دون الله﴾ أي المستجمع لكل وصف جميل ﴿فقد خسر﴾ باتخاذه ذلك ولو على أدنى وجوه الشرك ﴿خسراناً مبيناً﴾ أي في غاية الظهور والرداءة بما تعطيه صيغة الفعلان، لأنه تولى من لا خير عنده ؛ ثم علل ذلك بقوله :﴿يعدهم﴾ أي بأن يخيل إليهم بما يصل إلى قلوبهم بالوسوسة في شيء من الأباطيل أنه قريب الحصول، وأنه لا درك في تحصيله، وأنه إن لم يحصل كان في فواته ضرر، فيسعون في تحصيله، فيضيع عليهم في ذلك الزمانُ، ويرتكبون فيه ما لا يحل من الأهوال والهوان ﴿ويمنيهم﴾ أي يزين لهم تعليق الآمال بما لا يتأتى حصوله، ثم بين ذلك بقوله :﴿وما﴾ أي والحالة أنه ما ﴿يعدهم﴾ وأظهر في موضع الإضمار تنبيهاً على مزيد النفرة فقال :﴿الشيطان﴾ أي المحترق البعيد عن الخير ﴿إلا غروراًَ﴾ أي تزييناً بالباطل خداعاً ومكراً وتلبيساً، إظهاراً - لما لا حقيقة له أو له حقيقة سيئة - في أبهى الحقائق وأشرفها وألذها إلى النفس وأشهاها إلى الطبع، فإن مادة " غر " و " رغ " تدول على الشرف والحسن ورفاهة العيش، فالغرور إزالة ذلك.
ولما أثبت لهم ذلك أنتج بلا شك قوله :﴿أولئك﴾ أي البعداء من كل خير ﴿مأواهم جهنم﴾ أي تتجهمهم وتتقد عليهم بما اتخذوا من خلق منها ولياً ﴿ولا يجدون عنها محيصاً﴾ أي موضعاً ما يميلون إليه شيئاً من الميل. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٣٢٠ ـ ٣٢٢﴾

فصل


قال الفخر :
قوله تعالى ﴿ولأَضِلَّنَّهُمْ﴾ يعني عن الحق، قالت المعتزلة : هذه الآية دالة على أصلين عظيمين من أصولنا.


الصفحة التالية
Icon