السؤال الثاني : من أين لإبليس العلم بالعواقب حتى يقول ولأضلنهم ولأغوينهم ولأمنينهم ولآمرنهم، وقال في الاعراف ﴿ ولا تجد أكثرهم شاكرين ﴾ وقال في بني إسرائل ﴿ لأحتنكن ذريته إلا قليلاً ﴾ فالجواب من ثلاثة أوجه : أحدها : أن إبليس ظن أن تقع منهم هذه الأمور التي يريدها منهم فحصل له ما ظنه ويدل على ذلك قوله تعالى :﴿ ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه ﴾ الوجه الثاني : قال ابن الأنباري المعنى لأجتهدن ولأحرصن في ذلك أنه كان يعلم الغيب.
الوجه الثالث : قال الماوردي من الجائز أن يكون قد علم ذلك من الملائكة بخبر من الله تعالى أن أكثر الخلائق لا يؤمنون. أ هـ ﴿تفسير الخازن حـ ١ صـ ٦٠٠﴾
وقال أبو حيان :
﴿ ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرنَّ خلق الله ﴾ هذه خمسة أقسم إبليس عليها : أحدها : اتخاذ نصيب من عباد الله وهو اختياره إياهم.
والثاني : إضلالهم وهو صرفهم عن الهداية وأسبابها.
والثالث : تمنيته لهم وهو التسويل، ولا ينحصر في نوع واحد، لأنه يمني كل إنسان بما يناسب حاله من طول عمر وبلوغ وطر وغير ذلك، وهي كلها أماني كواذب باطلة.
وقيل : الأماني تأخير التوبة.
وقيل : هي اعتقاد أن لا جنة ولا نار، ولا بعث ولا حساب.
وقال الزمخشري : ولأمنينهم الأماني الباطلة من طول الأعمار، وبلوغ الآمال، ورحمة الله تعالى للمجرمين بغير توبة، والخروج من النار بعد دخولها بالشفاعة، ونحو ذلك انتهى.
وهذا على منزعه الاعتزالي وولوعه بتفسير كتاب الله عليه من غير إشعار لفظ القرآن بما يقوله وينحله.
والرابع : أمره إياهم الناشىء عنه تبتيك آذان الأنعام، وهو فعلهم بالبحائر كانوا يشقون آذان الناقة إذا ولدت خمسة أبطن.
وجاء الخامس ذكرا وحرموا على أنفسهم الانتفاع بها قاله : عكرمة، وقتادة، والسدي.
وقيل : فيه إشارة إلى كل ما جعله الله كاملاً بفطرته، فجعل الإنسان ناقصاً بسوء تدبيره.