فصل جامع للإمام القرطبى


قال عليه الرحمة :
قوله تعالى :﴿ وَلأُضِلَّنَّهُمْ ﴾ أي لأصرفنّهم عن طريق الهدى.
﴿ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ ﴾ أي لأُسَوِّلنّ لهم، من التّمنِّي، وهذا لا ينحصر إلى واحد من الأُمنية، لأن كل واحد في نفسه إنما يمنِّيه بقدرِ رغبته وقرائن حاله.
وقيل : لأمنِّينهم طول الحياة الخيرَ والتوبةَ والمعرفةَ مع الإصرار.
﴿ وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأنعام ﴾ البَتك القطع، ومنه سيف باتِك.
أي أحملهم على قطع آذان البَحيرة والسائبة ونحوه.
يقال : بتَكَه وبتَّكه، ( مخففاً ومشدّداً ) وفي يده بِتْكَة أي قطعة، والجمع بِتَك، قال زهير :
طارت وفي كفِّه من ريشها بِتَكُ...
قوله تعالى :﴿ وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ الله ﴾ اللاّمات كلها للقَسَم.
واختلف العلماء في هذا التغيير إلى ماذا يرجع، فقالت طائفة : هو الخِصَاء وفَقْء الأعين وقطع الآذان، قال معناه ابن عباس وأنس وعِكرمة وأبو صالح.
وذلك كله تعذيب للحيوان، وتحريم وتحليل بالطغيان، وقول بغير حجة ولا برهان.
والآذان في الأنعام جَمال ومنفعة، وكذلك غيرها من الأعضاء، فلذلك رأى الشيطان أن يغيِّر بها خلق الله تعالى.
وفي حديث عِياض بن حِمار المجاشعيّ :" وأني خلقت عبادي حنفاء كلهم وأن الشياطين أتتهم فاجتالتهم عن دينهم فحرّمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً وأمرتهم أن يغيروا خلقي.
" الحديث، أخرجه القاضي إسماعيل ومسلم أيضاً.
وروى إسماعيل قال حدّثنا أبو الوليد وسليمان بن حرب قالا حدّثنا شعبة عن أبي إسحاق " عن أبي الأحوص عن أبيه قال :"أتيت رسول الله ﷺ وأنا قَشِف الهيئة، قال :"هل لك من مال" ؟ قال قلت : نعم.


الصفحة التالية
Icon