وإذا تقرر هذا فاعلم أن الوَسْم والإشعار مستثنًى من : نهيه عليه السَّلام عن شريطة الشيطان، وهي ما قدّمناه من نهيه عن تعذيب الحيوان بالنار، والوَسم : الكَيّ بالنار وأصله العلامة، يُقال : وَسَم الشيء يسمه إذا علّمه بعلامة يُعرف بها، ومنه قوله تعالى :﴿ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ ﴾ [ الفتح : ٢٩ ].
فالسِّيما العلامة والمِيسَم المِكْوَاة.
وثبت في صحيح مسلم عن أنس قال : رأيت في يد رسول الله ﷺ المِيسَم وهو يسم إبل الصدقة والفيء وغير ذلك حتى يعرف كلّ مال فيؤدّى في حقه، ولا يتجاوز به إلى غيره.
والوَسْم جائز في كل الأعضاء غير الوجه، لما رواه جابر قال : نهى رسول الله ﷺ عن الضرب في الوجه وعن الوسم في الوجه، أخرجه مسلم.
وإنما كان ذلك لشرفه على الأعضاء، إذْ هو مَقَرّ الحسن والجمال، ولأن به قِوام الحيوان، وقد " مرّ النبيّ ﷺ برجل يضرب عبده فقال :"اتق الوَجه فإن الله خلق آدم على صورته" " أي على صورة المضروب ؛ أي وجه هذا المضروب يشبه وجه آدم، فينبغي أن يحترم لشبهه.
وهذا أحسن ما قيل في تأويله والله أعلم.
وقالت طائفة : الإشارة بالتغيير إلى الوشم وما جرى مجراه من التصنع للحسن ؛ قاله ابن مسعود والحسن.
ومن ذلك الحديث الصحيح عن عبد الله قال قال رسول الله ﷺ :" لعن الله الواشمات والمُسْتَوِشِمات والنامِصَات والمتنمِّصات والمُتفلِّجات للحسْن، المغيِّرات خلقَ الله " الحديث.
أخرجه مسلم، وسيأتي بكماله في الحشر إن شاء الله تعالى.
والوشم يكون في اليدين، وهو أن يغرز ظهر كف المرأة ومعصمها بإبرة ثم يحشي بالكحل أو بالنّئُور فيخْضَرّ.
وقد وشمت تشِم وشماً فهي واشمة.
والمستوشمة التي يفعل ذلك بها ؛ قاله الهرويّ.
وقال ابن العربيّ : ورجال صِقِلِّية وإفريقية يفعلونه ؛ ليدل كل واحد منهم على رُجْلته في حداثته.


الصفحة التالية
Icon