وما أنسب ذكر هذا الحكم الذي كثرت فيه المراجع على وجه يؤذن بعدم إذعان بعض النفوس له عقب آية الإسلام الذي معناه الانقياد والخضوع والإحسان الذي صار في العرف أكثر استعماله للاعطاء والتألف والعطف لا سيما للضعيف، وذكر إبراهيم عليه الصلاة والسلام الذي تقدم أنه أتم ما ابتلاه الله تعالى به من الكلمات ووفي بها من غير مراجعة ولا تلعثم، وأنه كان حنيفاً ميالاً مع الدليل، تعنيفاً لمن قام عليه دليل العقل وأتاه صريح النقل وهو يراجع! وإذا تأملت قوله تعالى :﴿من يعمل سوءاً يجز به﴾ [ النساء : ١٢٣ ] مع قوله فيما قبل ﴿وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم﴾ [ النساء : ٩ ] لاحت لك أيضاً مناسبة بديعة. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٣٢٥ ـ ٣٢٨﴾
وقال الفخر :
اعلم أن عادة الله في ترتيب هذا الكتاب الكريم وقع على أحسن الوجوه وهو أنه يذكر شيئاً من الأحكام ثم يذكر عقيبه آيات كثيرة في الوعد والترغيب والترهيب ويخلط بها آيات دالة على كبرياء الله وجلال قدرته وعظمة إلهيته.
ثم يعود مرة أخرى إلى بيان الأحكام، وهذا أحسن أنواع الترتيب وأقربها إلى التأثير في القلوب، لأن التكليف بالأعمال الشاقة لا يقع في موقع القبول إلاّ إذا كان مقروناً بالوعد والوعيد، والوعد والوعيد لا يؤثر في القلب إلاّ عند القطع بغاية كمال من صدر عنه الوعد والوعيد، فظهر أن هذا الترتيب أحسن الترتيبات اللائقة بالدعوة إلى الدين الحق.
إذا عرفت هذا فنقول : إنه سبحانه ذكر في أول هذه السورة أنواعاً كثيرة من الشرائع والتكاليف، ثم أتبعها بشرح أحوال الكافرين والمنافقين واستقصى في ذلك، ثم ختم تلك الآيات الدالة على عظمة جلال الله وكمال كبريائه، ثم عاد بعد ذلك إلى بيان الأحكام فقال ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِى النساء قُلِ الله يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ﴾. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ٤٩﴾


الصفحة التالية
Icon