قالت عائشة : وقول الله تعالى :﴿ وترغبون أن تنكحوهن ﴾ رغبة أحدكم عن يتيمته حين تكون قليلة المال والجمال ؛ قالت : فنهوا عن أن ينكحوا من رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النساء إلاّ بالقسط من أجْل رغبتهم عنهنّ إذا كنّ قليلات المال والجمال، وكان الولي يرغب عن أن ينكحها ويكره أن يزوّجها رجلاً فيشركه في ماله بما شركته فيعضلها.
فنزلت هذه الآية.
فالمراد : ويستفتونك في أحكام النساء إذ قد علم أنّ الاستفتاء لا يتعلّق بالذوات، فهو مثل قوله :﴿ حرّمت عليكم أمّهاتكم ﴾ [ النساء : ٢٣ ].
وأخصّ الأحكام بالنساء : أحكام ولايتهنّ، وأحكام معاشرتهنّ.
وليس المقصود هنا ميراث النساء إذ لا خطور له بالبال هنا.
وقوله :﴿ قل الله يفتيكم فيهن ﴾ وعد باستيفاء الإجابة عن الاستفتاء، وهو ضرب من تبشير السائل المتحيّر بأنّه قد وجد طلبته، وذلك مثل قولهم : على الخبير سقطت.
وقوله تعالى :﴿ سأنبّئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً ﴾ [ الكهف : ٧٨ ].
وتقديم اسم الجلالة للتنويه بشأن هذه الفتيا.
وقوله :﴿ وما يتلى عليكم ﴾ عطف على اسم الجلالة، أي ويفتيكم فيهنّ ما يتلى عليكم في الكتاب، أي القرآن، وإسناد الإفتاء إلى ما يُتلى إسناد مجازي، لأنّ ما يتلى دالّ على إفتاء الله فهو سبب فيه، فآل المعنى إلى : قل الله يفتيكم فيهنّ بما يتلى عليكم في الكتاب، والمراد بذلك بما تلي عليهم من أوّل السورة، وما سيتلى بعد ذلك، فإنّ التذكير به وتكريره إفتاء به مرّة ثانية، وما أتبع به من الأحكام إفتاء أيضاً.
وقد ألّمت الآية بخلاصة ما تقدّم من قوله :﴿ وآتوا اليتامى أموالهم ﴾ إلى قوله :﴿ وكفى بالله حسيباً ﴾ [ النساء : ٢ ٦ ].
وكذلك أشارت هذه الآية إلى فِقر ممّا تقدّم : بقوله هنا :﴿ في يتامى النساء اللاتي لا تؤتوهنّ ما كُتب لهنّ ﴾ فأشار إلى قوله :﴿ وإن خفتم أن لا تقسطوا إلى قوله : فكلوه هنيئاً مريئاً ﴾ [ النساء : ٣، ٤ ].