ولحذف حرف الجرّ بعد ﴿ ترغبون ﴾ هنا موقع عظيم من الإيجاز وإكثار المعنى، أي ترغبون عن نكاح بعضهنّ، وفي نكاح بعض آخر، فإنّ فعْل رغب يتعدّى بحرف ( عن ) للشيء الذي لا يُحَبّ ؛ وبحرف ( في ) للشيء المحبوب.
فإذا حذف حرف الجرّ احتمل المعنيين إن لم يكن بينهما تناف، وذلك قد شمله قوله في الآية المتقدّمة ﴿ وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ﴾ [ النساء : ٣ ] الخ.
وأشار بقوله هنا ﴿ والمستضعفين من الولدان ﴾ إلى قوله هنالك ﴿ وآتوا اليتامى أموالهم إلى كَبيراً ﴾ [ النساء : ٢ ] وإلى قوله :﴿ ولا تؤتوا السفهاء أموالكم إلى قوله : معروفاً ﴾ [ النساء : ٥ ].
وأشار بقوله :﴿ وأن تقوموا لليتامى بالقسط إلى قوله هنالك وابتلوا اليتامى إلى حسيباً ﴾ [ النساء : ٦ ].
ولا شكّ أنّ ما يتلى في الكتاب هو من إفتاء الله، إلاّ أنّه لمّا تقدّم على وقت الاستفتاء كان مغايراً للمقصود من قوله :﴿ الله يفتيكم فيهنّ ﴾، فلذلك صحّ عطفه عليه عطف السبب على المسبّب.
والإفتاء الأنف هو من قوله :﴿ وإنِ امرأةٌ خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً إلى واسعاً حكيماً ﴾ [ النساء : ١٢٨ ١٣٠ ].
و( في ) من قوله :﴿ في يتامى النساء ﴾ للظرفية المجازية، أي في شأنهن، أو للتعليل، أي لأجلهنّ، ومعنى ﴿ كُتب لهنّ ﴾ فُرِض لهنّ إمّا من أموال من يرثْنَهم، أو من المهور التي تدفعونها لهنّ، فلا توفوهنّ مهور أمثالهنّ، والكلّ يعدّ مكتوباً لهنّ، كما دلّ عليه حديث عائشة رضي الله عنها وعلى الوجهين يجيء التقدير في قوله :﴿ وترغبون أن تنكحوهنّ ﴾ ولك أن تجعل الاحتمالين في قوله :﴿ ما كتب لهنّ ﴾ وفي قوله :﴿ وترغبون أن تنكحوهنّ ﴾.
مقصودين على حدّ استعمال المشترك في معنييه.


الصفحة التالية
Icon