سؤال : فإن قيل : ما الفائدة في تكرير قوله ﴿وَللَّهِ مَا فِى السموات وَمَا فِي الأرض ﴾ ؟
قلنا : إنه تعالى ذكر هذه الكلمات في هذه الآية ثلاث مرات لتقرير ثلاثة أمور : فأولها : أنه تعالى قال :﴿وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ الله كُلاًّ مّن سَعَتِهِ﴾ [ النساء : ١٣٠ ] والمراد منه كونه تعالى جواداً متفضلاً، فذكر عقيبه قوله ﴿وَللَّهِ مَا فِي السموات وَمَا فِي الأرض﴾ والغرض تقرير كونه واسع الجود والكرم، وثانيها : قال ﴿وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ للَّهِ مَا فِى السموات وَمَا فِي الأرض﴾ والمراد منه أنه تعالى منزّه عن طاعات المطيعين وعن ذنوب المذنبين، فلا يزداد جلاله بالطاعات، ولا ينقص بالمعاصي والسيئات، فذكر عقيبه قوله ﴿فَإِنَّ للَّهِ مَا فِى السموات وَمَا فِي الأرض﴾ والغرض منه تقرير كونه غنياً لذاته عن الكل، وثالثها : قال :﴿وَللَّهِ مَا فِى السموات وَمَا فِي الأرض وكفى بالله وَكِيلاً إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا الناس وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ الله على ذلك قَدِيراً﴾ والمراد منه أنه تعالى قادر على الإفناء والإيجاد، فإن عصيتموه فهو قادر على إعدامكم وإفنائكم بالكلية، وعلى أن يوجد قوماً آخرين يشتغلون بعبوديته وتعظيمه، فالغرض ههنا تقدير كونه سبحانه وتعالى قادراً على جميع المقدورات، وإذا كان الدليل الواحد دليلاً على مدلولات كثيرة فإنه يحسن ذكر ذلك الدليل ليستدل به على أحد تلك المدلولات، ثم يذكره مرة أخرى ليستدل به على الثاني، ثم يذكره ثالثاً ليستدل به على المدلول الثالث، وهذه الإعادة أحسن وأولى من الاكتفاء بذكر الدليل مرة واحدة، لأن عند إعادة ذكر الدليل يخطر في الذهن ما يوجب العلم بالمدلول، فكان العلم الحاصل بذلك المدلول أقوى وأجلى، فظهر أن هذا التكرير في غاية الحسن والكمال.