وأيضاً فإذا أعدته ثلاث مرات وفرعت عليه في كل مرة إثبات صفة أخرى من صفات جلال الله تنبه الذهن حينئذٍ لكون تخليق السموات والأرض دالاً على أسرار شريفة ومطالب جليلة، فعند ذلك يجتهد الإنسان في التفكر فيها والاستدلال بأحوالها وصفاتها على صفات الخالق سبحانه وتعالى، ولما كان الغرض الكلي من هذا الكتاب الكريم صرف العقول والأفهام عن الاشتغال بغير الله إلى الاستغراق في معرفة الله، وكان هذا التكرير مما يفيد حصول هذا المطلوب ويؤكده، لا جرم كان في غاية الحسن والكمال. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ٥٦ ـ ٥٧﴾
وقال القرطبى :
إن قال قائل : ما فائدة هذا التكرير ؟ فعنه جوابان : أحدهما أنه كرر تأكيداً ؛ ليتنبه العباد وينظروا ما في ملكوته وملكه وأنه غني عن العالمين.
الجواب الثاني أنه كرر لفوائد : فأخبر في الأوّل أن الله تعالى يغني كلا من سعته، لأن له ما في السموات وما في الأرض فلا تنفذ خزائنه. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٥ صـ ٤٠٩﴾.
وقال الخازن :
فإن قلت ما الفائدة في تكرير قوله تعالى :﴿ ولله ما في السموات وما في الأرض ﴾ قلت الفائدة في ذلك أن لكل آية معنى تخص به، أما الآية الأولى فمعناها فإن لله ما في السموات وما في الأرض وهو يوصيكم بتقوى الله فاقبلوا وصيته وقيل لما قال تعالى :﴿ وإن يتفرقا يغن الله كلاًّ من سعته ﴾ بيّن أن له ما في السموات وما في الأرض وأنه قادر على إغناء جميع الخلائق وهو المستغني عنهم.
وأما الآية الثانية فإنه تعالى قال :﴿ وإن تكفروا فإن لله ما في السموات وما في الأرض ﴾ والمراد أنه تعالى منزه عن طاعات الطائعين وعن ذنوب المذنبين وأنه لا يزداد جلاله بالطاعات ولا ينقص بالمعاصي.
وقيل لما بين أن له ما في السموات وما في الأرض وقال بعد ذلك :﴿ وكان الله غنياً حميداً ﴾ فالمراد منه أنه تعالى هو الغني وله الملك فاطلبوا منه ما تطلبون فهو يعطيكم لأن له ما في السموات وما في الأرض.


الصفحة التالية