قلنا : شهادة الله تعالى عبارة عن كونه تعالى خالقاً للمخلوقات، وقيامه بالقسط عبارة عن رعاية القوامين بالعدل في تلك المخلوقات، فيلزم هناك أن تكون الشهادة مقدمة على القيام بالقسط، أما في حق العباد فالقيام بالقسط عبارة عن كونه مراعياً للعدل ومبايناً للجور، ومعلوم أنه ما لم يكن الإنسان كذلك لم تكن شهادته على الغير مقبولة، فثبت أن الواجب في قوله ﴿شَهِدَ الله﴾ أن تكون تلك الشهادة مقدمة على القيام بالقسط والواجب ههنا أن تكون الشهادة متأخرة عن القيام بالقسط، ومن تأمل علم أن هذه الأسرار مما لا يمكن الوصول إليها إلا بالتأييد، الإلهي والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ٥٨ ـ ٥٩﴾

فصل


قال القرطبى :
لا خلاف بين أهل العلم في صحة أحكام هذه الآية، وأن شهادة الولد على الوالدين الأب والأُم ماضية، ولا يمنع ذلك من برّهما، بل من برّهما أن يشهد عليهما ويخلصهما من الباطل، وهو معنى قوله تعالى :﴿ قوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً ﴾ [ التحريم : ٦ ]
فإن شهد لهما أو شهدا له فقد اختلف فيها قديماً وحديثاً ؛ فقال ابن شهاب الزهري : كان من مضى من السلف الصالح يجيزون شهادة الوالدين والأخ، ويتأوّلون في ذلك قول الله تعالى :﴿ كُونُواْ قَوَّامِينَ بالقسط شُهَدَآءَ للَّهِ ﴾ فلم يكن أحد يُتَّهم في ذلك من السلف الصالح رضوان الله عليهم.
ثم ظهرت من الناس أُمور حملت الولاة على اتهامهم، فتركت شهادة من يتّهم، وصار ذلك لا يجوز في الولد والوالد والأخ والزوج والزوجة ؛ وهو مذهب الحسن والنخعِيّ والشعبِيّ وشريح ومالك والثورِيّ والشافعيّ وابن حنبل.
وقد أجاز قوم شهادة بعضهم لبعض إذا كانوا عدولاً.
وروي عن عمر ابن الخطاب أنه أجازه ؛ وكذلك روي عن عمر بن عبد العزيز، وبه قال إسحاق والثوريّ والمزنِيّ.
ومذهب مالك جواز شهادة الأخ لأخيه إذا كان عدلاً إلاَّ في النسب.


الصفحة التالية
Icon