قوله تعالى ﴿فَلاَ تَتَّبِعُواْ الهوى أَن تَعْدِلُواْ﴾
قال الفخر :
﴿فَلاَ تَتَّبِعُواْ الهوى أَن تَعْدِلُواْ﴾ والمعنى اتركوا متابعة الهوى حتى تصيروا موصوفين بصفة العدل، وتحقيق الكلام أن العدل عبارة عن ترك متابعة الهوى، ومن ترك أحد النقيضين فقد حصل له الآخر، فتقدير الآية : فلا تتبعوا الهوى لأجل أن تعدلوا يعني اتركوا متابعة الهوى لأجل أن تعدلوا. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ٥٩﴾
وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ فَلاَ تَتَّبِعُواْ الهوى ﴾ نهي، فإن اتباع الهوى مُرْدٍ، أي مهلك ؛ قال الله تعالى :﴿ فاحكم بَيْنَ الناس بالحق وَلاَ تَتَّبِعِ الهوى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ الله ﴾ [ ص : ٢٦ ] فاتباع الهوى يحمل على الشهادة بغير الحق، وعلى الجور في الحكم، إلى غير ذلك.
وقال الشعبيّ : أخذ الله عزّ وجل على الحكام ثلاثة أشياء : ألاّ يتّبعوا الهوى، وألاّ يخشَوا الناسَ ويخشوه، وألاّ يشتروا بآياته ثمناً قليلاً. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٥ صـ ٤١٣﴾.
وقال ابن كثير :
وقوله ﴿ فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا ﴾ أي : فلا يحملنكم الهوى والعصبية وبغْضَة الناس إليكم، على ترك العدل في أموركم وشؤونكم، بل الزموا العدل على أي حال كان، كما قال تعالى :﴿ ولا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَنْ لا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ [المائدة : ٨]
ومن هذا القبيل قول عبد الله بن رواحة، لما بعثه النبي ﷺ يخرص على أهل خيبر ثمارهم وزرعهم، فأرادوا أن يُرْشُوه ليرفق بهم، فقال : والله لقد جئتكم من عند أحب الخلق إليَّ، ولأنتم أبغض إليَّ من أعدادكم من القردة والخنازير، وما يحملني حُبي إياه وبغضي لكم على ألا أعدل فيكم. فقالوا :"بهذا قامت السماوات والأرض". أ هـ ﴿تفسير ابن كثير حـ ٢ صـ ٤٣٣﴾