ولكن الله سبحانه وتعالى يريد أن يعلي غريزة حب الاستطلاع فينبغي أن نجعلها في مجالها المشروع فلا نجعلها تجسساً على عورات الناس مثلاً، وكذلك جعل الله غريزة المال في الإنسان ؛ لأن حب المال يدفع الإنسان إلى أن يعمل، ويستفيد الناس من عمله أراد أو لم يرد. كذلك غريزة الجنس جعلها الله في الإنسان ولها سعار ليحفظ بها النوع الإنساني. إنّه سبحانه لا يريد منها أن تنطلق انطلاقاً يلغ في أعراض الناس. إذن فالغرائز خلقها الله لمهمة. والشرائع جاءت لتحفظ الغرائز في مجال مهمتها وتمنع عنها انطلاقاتها المسعورة في غير المجالات التي حددها لها المنهج.
إذن فالميل أمر فطري في النفس البشرية وقد أوضح الحق سبحانه : أنا خلقت الميل ليخدم في عمارة الكون، ولكن أريد منكم أن تصعدوا الهوى وتعلوه في هذا الميل، وحين تعددون الزوجات. لا أطلب منكم البعد عن كل الميل ؛ لأن ذلك أمر لا يحكمه منطق عقلي، ولكن أحب أن تحددوا الميل وتجعلوه في مجاله القلبي فقط، ولا يصح أن يتعدى الميل عند أحدكم إلى ميله القالبي.
أحب أيها العبد المؤمن من شئت وأبغض من شئت، لكن لا تجعل هذا الحب يقود قالبك لتعطي من تحب خير غيره ظلماً، وأبغض أيها العبد من شئت، فلا يستطيع مقنن أن يقنن للقلب أن يبغض أو يحب، لكن بغضك لا تعديه عن قلبك إلى جوارحك لتظلم من تبغض.
ولنا الأسوة في سيدنا عمر بن الخطاب - رضوان الله عليه - حينما مرّ عليه قاتل أخيه، ولفت نظره جليس له : هذا قاتل أخيك.
هنا قال عمر - رضي الله عنه - : وماذا أفعل به وقد هداه الله للإسلام ؟ كأن إسلام هذا القاتل قد أنهى المسألة عند عمر - رضي الله عنه. وعندما جاء هذا القاتل لمجلس عمر، قال له سيدنا عمر : إذا أقبلت عليّ إلوِ وجهك عني، لأن قلبي لا يرتاح لك. فسأل الرجل : أو عدم حبك لي يمنعني حقاً من حقوقي ؟. قال عمر : لا.