كَانَ يَكُونُ هَذَا الدَّلِيلُ صَحِيحًا لَوْ قَالَ تَعَالَى : وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا قَالَ : فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ إِلَخْ، عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِغَيْرِ الْمُسْتَطَاعِ مِنَ الْعَدْلِ هُوَ الْعَدْلُ الْكَامِلُ الَّذِي يَحْرِصُ عَلَيْهِ أَهْلُ الدِّينِ وَالْوَرَعِ كَمَا بَيَّنَاهُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ قَوْلِهِ : وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَإِنَّ الْعَدْلَ مِنَ الْمَعَانِي الدَّقِيقَةِ الَّتِي يَشْتَبِهُ الْحَدُّ الْأَوْسَطُ مِنْهَا بِمَا يُقَارِبُهُ مِنْ طَرَفَيِ الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ، وَلَا يَسْهُلُ الْوُقُوفُ عَلَى حَدِّهِ وَالْإِحَاطَةِ بِجُزْئِيَّاتِهِ، وَلَا سِيَّمَا الْجُزْئِيَّاتُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِوِجْدَانَاتِ النَّفْسِ كَالْحُبِّ وَالْكُرْهِ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِمَا مِنَ الْأَعْمَالِ فَلَمَّا أُطْلِقَ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدْلِ اقْتَضَى ذَلِكَ الْإِطْلَاقُ أَنْ يُفَكِّرَ أَهْلُ الدِّينِ وَالْوَرَعِ وَالْحِرْصِ عَلَى إِقَامَةِ حُدُودِ اللهِ وَأَحْكَامِهِ فِي مَاهِيَّةِ هَذَا الْعَدْلِ وَجُزْئِيَّاتِهِ وَيَتَبَيَّنُوهَا كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا، فَبَيَّنَ لَهُمْ سُبْحَانَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَا هُوَ الْمُرَادُ مِنَ الْعَدْلِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ هُوَ الْفَرْدَ الْكَامِلَ الَّذِي يَعُمُّ أَعْمَالَ الْقُلُوبِ وَالْجَوَارِحِ ; لِأَنَّ هَذَا غَيْرُ مُسْتَطَاعٍ، وَلَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا.