ولما كان الاشتراك في الأحكام موجباً للرغبة فيها والتخفيف لثقلها، وكانت الوصية للعالم أجدر بالقبول قال :﴿الذين أوتوا الكتاب﴾ أي التوراة والإنجيل وغيرهما وبنى الفعل للمجهول لأن القصد بيان كونهم أهل علم ليرغب فيما أوصوا به، ودلالة على أن العلم في نفسه مهيىء للقبول، ولإفادة أن وصيتهم أعم من أن تكون في الكتاب، أو على لسان الرسول من غير كتاب، ولما كان إيتاؤهم الكتاب غير مستغرق للماضي وكذا الإيصاء قال :﴿من قبلكم﴾ أي من بني إسرائيل وغيرهم ﴿وإياكم﴾ أي ووصيانكم مثل ما وصيناهم ؛ ولما كانت التوصية بمعنى القول فسرها بقوله :﴿أن اتقوا الله﴾ أي الذي لا يطاق انتقامه لأنه لا كفوء له.
ولما كان التقدير : فإن تتقوا فهو حظكم وسعادتكم في الدارين، عطف عليه قوله :﴿وإن تكفروا﴾ أي بترك التقوى ﴿فإن الله﴾ أي الذي له الكمال المطلق ﴿ما في السماوات﴾ ولما كان السياق لفرض الكفر حسن التأكيد في قوله :﴿وما في الأرض﴾ منكم ومن غيركم من حيوان وجماد أجساداً وأروحاً وأحوالاً.
ولما كان المعنى : لا يخرج شيء عن ملكه ولا إرادته، ولا يلحقه ضرر بكفركم، ولم تضروا إن فعلتم إلا أنفسكم، لأنه غني عنكم، لا يزداد جلاله بالطاعات، ولا ينقص بالمعاصي والسيئات ؛ أكده بقوله دالاً على غناه واستحقاقه للمحامد :﴿وكان الله﴾ أي الذي له الإحاطة كلها ﴿غنياً﴾ أي عن كل شيء الغنى المطلق لذاته ﴿حميداً﴾ أي محموداً بكل لسان قالي وحالي، كفرتم أو شكرتم، فكان ذلك غاية في بيان حكمته. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٣٣٠ ـ ٣٣١﴾
وقال الفخر :
وفي تعلق هذه الآية بما قبلها وجهان :
الأول : أنه تعالى لما ذكر أنه يغني كلاً من سعته، وأنه واسع أشار إلى ما هو كالتفسير لكونه واسعاً فقال ﴿وَللَّهِ مَا فِي السموات وَمَا فِي الأرض﴾ يعني من كان كذلك فإنه لا بدّ وأن يكون واسع القدرة والعلم والجود والفضل والرحمة.


الصفحة التالية
Icon