وقال ابن جرير :
ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا"، يعني : حجة يوم القيامة.
وذلك وعدٌ من الله المؤمنين أنه لن يدخل المنافقين مدخلَهم من الجنة، ولا المؤمنين مدخَل المنافقين، فيكون بذلك للكافرين على المؤمنين حجة بأن يقولوا لهم، إن أدخلوا مدخلهم : ها أنتم كنتم في الدنيا أعداءَنا، وكان المنافقون أولياءنا، وقد اجتمعتم في النار، فجمع بينكم وبين أوليائنا! فأين الذين كنتم تزعمون أنكم تقاتلوننا من أجله في الدنيا ؟ فذلك هو"السبيل" الذي وعد الله المؤمنين أن لا يجعلها عليهم للكافرين. أ هـ ﴿تفسير الطبرى حـ ٩ صـ ٣٢٤﴾
وقال السعدى :
﴿ وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا ﴾ أي : تسلطا واستيلاء عليهم، بل لا تزال طائفة من المؤمنين على الحق منصورة، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، ولا يزال الله يحدث من أسباب النصر للمؤمنين، ودفعٍ لتسلط الكافرين، ما هو مشهود بالعيان. حتى إن [بعض] المسلمين الذين تحكمهم الطوائف الكافرة، قد بقوا محترمين لا يتعرضون لأديانهم ولا يكونون مستصغرين عندهم، بل لهم العز التام من الله، فله الحمد أوّلا وآخرًا، وظاهرًا وباطنًا. أ هـ ﴿تفسير السعدى صـ ١٢٠﴾
فصل
قال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَلَن يَجْعَلَ الله لِلْكَافِرِينَ عَلَى المؤمنين سَبِيلاً ﴾ فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى :﴿ وَلَن يَجْعَلَ الله لِلْكَافِرِينَ عَلَى المؤمنين سَبِيلاً ﴾ للعلماء فيه تأويلات خمسة : أحدها ما روي عن يُسَيع الحضرمِيّ قال : كنت عند عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه فقال له رجل يا أمير المؤمنين، أرأيت قول الله :﴿ وَلَن يَجْعَلَ الله لِلْكَافِرِينَ عَلَى المؤمنين سَبِيلاً ﴾ كيف ذلك، وهم يقاتلوننا ويظهرون علينا أحياناً! فقال عليّ رضي الله عنه : معنى ذلك يوم القيامة يوم الحكم.
وكذا قال ابن عباس : ذاك يوم القيامة.
قال ابن عطية : وبهذا قال جميع أهل التأويل.