وقال الزمخشري : المعنى أنّ الذين تكرر منهم الارتداد وعهد منهم ازدياد الكفر والإصرار عليه يستبعد منهم أن يحدثوا ما يستحقون به المغفرة ويستوجبون اللطف من إيمان صحيح ثابت يرضاه الله، لأن قلوب أولئك الذين هذا ديدنهم قلوب قد ضربت بالكفر، ومرئت على الردة، وكان الإيمان أهون شيء عندهم وأدونه حيث يدلونهم فيه كرة بعد أخرى، وليس المعنى أنهم لو أخلصوا الإيمان بعد تكرار الردة ونصحت توبتهم لم تقبل منهم ولم يغفر لهم، لأن ذلك مقبول حيث هو بذل الطاقة واستفراغ الوسع، ولكنه استبعاد له واستغراب، وأنه أمر لا يكاد يكون.
وهكذا نرى الفاسق الذي يتوب ثم يرجع لا يكاد يرجى منه الثبات، والغالب أنه يموت على شر حال وأقبح صورة انتهى كلامه.
وفي بعضه ألفاظ من ألفاظ الاعتزال.
﴿ لم يكن الله ليغفر لهم ﴾ الجمهور على تقدير محذوف أي : ثم ازدادوا كفراً وماتوا على الكفر، لأنه معلوم من هذه الشريعة أنه لو آمن وكفر مراراً ثم تاب عن الكفر وآمن ووافى تائباً، أنه مغفور له ما جناه في كفره السابق وإن تردد فيه مراراً.
وقيل : يحمل على قوم معينين علم الله منهم أنهم يموتون على الكفر ولا يتوبون عنه، فيكون قوله : لم يكن الله ليغفر لهم إخباراً عن موتهم على الكفر.
وقيل : الكلام خرج على الغالب المعتاد، وهو أنّ مَن كان كثير الانتقال من الإسلام إلى الكفر لم يكن للإيمان في قلبه وقع ولا عظم قدر.
والظاهر من حال مثل هذا أنه يموت على الكفر.
وفي قوله : لم يكن الله ليغفر لهم، دلالة على أنه مختوم عليهم بانتفاء الغفران وهداية السبيل، وأنهم تقرر عليهم ذلك في الدنيا وهم أحياء، وهذه فائدة المجيء بلام الجحود، ففرق بين لم يكن زيد يقوم وبين لم يكن زيد ليقوم.
فالأول ليس فيه إلا انتفاء القيام، والثاني فيه انتفاء الإرادة والإيتاء للقيام، ويلزم من انتفاء إرادة القيام نفي القيام، وقد تقدّم لنا الكلام على ذلك مشبعاً في سورة آل عمران.