وقال ابن عاشور :
﴿ ويُراءون ﴾ فعل يقتضي أنّهم يُرون الناس صلاتهم ويُريهم الناس.
وليس الأمر كذلك، فالمفاعلة هنا لمجرد المبالغة في الإراءة، وهذا كثير في باب المفاعلة.
وقوله :﴿ ولا يذكرون الله إلاّ قليلاً ﴾ معطوف على ﴿ يُراءُون ﴾ إن كان ﴿ يراءون ﴾ حالاً أو صفة، وإن كان ﴿ يراءون ﴾ استئناف فجملة ﴿ ولا يذكرون ﴾ حال، والواو واو الحال، أي : ولا يذكرون الله بالصلاة إلاّ قليلاً.
فالاستثناء إمّا من أزمنة الذكر، أي إلاّ وقتاً قليلاً، وهو وقت حضورهم مع المسلمين إذ يقومون إلى الصلاة معهم حينئذٍ فيذكرون الله بالتكبير وغيره، وإمّا من مصدر ﴿ يذكرون ﴾، أي إلاّ ذكراً قليلاً في تلك الصلاة التي يُراءون بها، وهو الذكر الذي لا مندوحة عن تركه مثل : التأمين، وقول ربنا لك الحمد، والتكبير، وما عدا ذلك لا يقولونه من تسْبيحِ الركوع، وقراءةِ ركعات السرّ.
ولك أن تجعل جملة ﴿ ولا يذكرون ﴾ معطوفة على جملة ﴿ وإذا قاموا ﴾، فهي خبر عن خصالهم، أي هم لا يذكرون الله في سائر أحوالهم إلاّ حالا قليلاً أو زمناً قليلاً وهو الذكر الذي لا يخلو عنه عبد يحتاج لربّه في المنشط والمكره، أي أنّهم ليسوا مثل المسلمين الذين يذكرون الله على كلّ حال، ويكثرون من ذكره، وعلى كلّ تقدير فالآية أفادت عبوديتهم وكفرَهم بنعمة ربّهم زيادة على كفرهم برسوله وقرآنه. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٤ صـ ٢٨٨ ـ ٢٨٩﴾
قوله تعالى ﴿مذبذبين﴾
فصل
قال الفخر :
مذبذبين : أي متحيرين، وحقيقة المذبدب الذي يذب عن كلا الجانبين، أي يرد ويدفع فلا يقر في جانب واحد، إلا أن الذبذبة فيها تكرير وليس في الذب، فكان المعنى كلما مال إلى جانب ذب عنه.