واعلم أن السبب في ذلك أن الفعل يتوقف على الداعي، فإن كان الداعي إلى الفعل هو الأغراض المتعلقة بأحوال هذا العالم كثر التذبذب والاضطراب، لأن منافع هذا العالم وأسبابه متغيرة سريعة التبدل، وإذا كان الفعل تبعاً للداعي، والداعي تبعاً للمقصود ثم إن المقصود سريع التبدل والتغير لزم وقوع التغير في الميل والرغبة، وربما تعارضت الدواعي والصوارف فيبقى الإنسان في الحيرة والتردد.
أما من كان مطلوبه في فعله إنشاء الخيرات الباقية، واكتساب السعادات الروحانية، وعلم أن تلك المطالب أمور باقية بريئة عن التغير والتبدل لا جرم كان هذا الإنسان ثابتاً راسخاً فلهذا المعنى وصف الله تعالى أهل الإيمان بالثبات فقال ﴿يُثَبّتُ الله الذين ءامَنُواْ﴾ [ إبراهيم : ٢٧ ] وقال ﴿أَلاَ بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ القلوب﴾ [ الرعد : ٢٨ ] وقال :﴿يأَيَّتُهَا النفس المطمئنة﴾ [ الفجر : ٢٦ ]. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ٦٧ ـ ٦٨﴾
وقال القرطبى :
المذَبْذَب : المتردّد بين أمرين ؛ والذَبذبة الاضطراب.
يقال : ذَبْذَبْته فتذبذب ؛ ومنه قول النابغة :
ألم تر أنّ اللّه أعطاك سَوْرَة...
ترى كلّ مَلْك دونَها يَتَذَبْذَبُ
آخر :
خيال لأم السّلْسَبيل ودونها...
مَسيرة شَهْر للبريد المذَبْذِبِ
كذا روى بكسر الذال الثانية.
قال ابن جِنِّي : أي المهتز القلق الذي لا يثبت ولا يتمهّل.
فهؤلاء المنافقون متردّدون بين المؤمنين والمشركين، لا مخلصين الإيمان ولا مصرَّحين بالكفر.
وفي صحيح مسلم من حديث ابن عمر عن النبي ﷺ :" مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين تَعِير إلى هذه مرة وإلى هذه أخرى " وفي رواية "تَكُر" بدل "تَعير". أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٥ صـ ٤٢٤﴾.


الصفحة التالية
Icon