قوله تعالى ﴿بَيْنَ ذلك﴾

فصل


قال الفخر :
قوله ﴿بَيْنَ ذلك﴾ أي بين الكفر والإيمان، أو بين الكافرين والمؤمنين، وكلمة ﴿ذلك﴾ يشار به إلى الجماعة، وقد تقدم تقريره في تفسير قوله ﴿عَوَانٌ بَيْنَ ذلك﴾ [ البقرة : ٦٨ ] وذكر الكافرين والمؤمنين قد جرى في هذه القصة عند قوله ﴿الذين يَتَّخِذُونَ الكافرين أَوْلِيَاء مِن دُونِ المؤمنين﴾ [ النساء : ١٣٩ ] وإذا جرى ذكر الفريقين فقد جرى ذكر الكفر والإيمان قال قتادة : معنى الآية ليسوا مؤمنين مخلصين ولا مشركين مصرحين بالشرك. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ٦٨﴾

فصل


قال الفخر :
احتج أصحابنا بهذه الآية على أن الحيرة في الدين إنما تحصل بإيجاد الله تعالى وقالوا : إن قوله ﴿مُّذَبْذَبِينَ﴾ يقتضي فاعلاً قد ذبذبهم وصيرهم متحيرين مترددين، وذلك ليس باختيار العبد، فإن الإنسان إذا وقع في قلبه الدواعي المتعارضة الموجبة للتردد والحيرة، فلو أراد أن يدفع ذلك التردد عن نفسه لم يقدر عليه أصلاً، ومن رجع إلى نفسه وتأمل في أحواله علم أن الأمر كما ذكرنا، وإذا كانت تلك الذبذبة لا بدّ لها من فاعل، وثبت أن فاعلها ليس هو العبد ثبت أن فاعلها هو الله تعالى، فثبت أن الكل من الله تعالى.
فإن قيل : قوله تعالى :﴿لاَ إلى هَؤُلاء وَلاَ إِلَى هَؤُلاء﴾ يقتضي ذمهم على ترك طريقة المؤمنين وطريقة الكافرين، وذلك يقتضي أنه تعالى ما ذمهم على طريقة الكفار وإنه غير جائز.
قلنا : إن طريقة الكفار وإن كانت خبيثة إلا أن طريقة النفاق أخبث منها، ولذلك فإنه تعالى ذم الكفار في أول سورة البقرة في آيتين، وذم المنافقين في بضع عشرة آية، وما ذاك إلا أن طريقة النفاق أخبث من طريقة الكفار، فهو تعالى إنما ذمهم لا لأنهم تركوا الكفر، بل لأنهم عدلوا عنه إلى ما هو أخبث منه. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ٦٨﴾


الصفحة التالية
Icon