فائدة
قال ابن عاشور :
وجملة ﴿ لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ﴾ صفة ل ﴿ مذبذبين ﴾ لقصد الكشف عن معناه لما فيه من خفاء الاستعارة، أو هي بيان لقوله :﴿ مذبذبين بين ذلك ﴾.
و﴿ هؤلاء ﴾ أحدهما إشارة إلى المؤمنين، والآخر إشارة إلى الكافرين من غير تعيين، إذ ليس في المقام إلاّ فريقان فأيّها جعلته مشاراً إليه بأحد اسمي الإشارة صحّ ذلك، ونظيره قوله تعالى "فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوّه".
والتقدير لا هُم إلى المسلمين ولا هُم إلى الكافرين.
و( إلى ) متعلّقة بمحذوف دلّ عليه معنى الانتهاء، أي لا ذاهبين إلى هذا الفريق ولا إلى الفريق الآخر، والذهاب الذي دلّت عليه ( إلى ) ذهاب مجازي وهو الانتماء والانتساب، أي هُم أضاعوا النسبتين فلا هم مسلمون ولا هم كافرون ثابتون، والعرب تأتي بمثل هذا التركيب المشتمل على ( لا ) النافية مكرّرةً في غرضين : تارة يقصدون به إضاعة الأمرين، كقول إحدى نساء حديث أمّ زرع "لا سَهْلٌ فيُرْتقَى ولا سمين فيُنْتَقَل" وقوله تعالى :﴿ فَلاَ صَدَّقَ ولا صلّى ﴾ [ القيامة : ٣١ ] ﴿ لا ذلول تثير الأرض وَلا تسْقي الحرث ﴾ [ البقرة : ٧١ ].
وتارة يقصدون به إثبات حالة وسَط بين حالين، كقوله تعالى :﴿ لا شرقيةٍ ولا غريبةٍ ﴾ [ النور : ٣٥ ] ﴿ لا فارض ولا بكر ﴾ [ المائدة : ٦٨ ]، وقول زهير :
فلاَ هُو أخفاها ولم يَتَقَدّمِ...
وعلى الاستعمالين فمعنى الآية خفي، إذ ليس المراد إثبات حالة وسط للمنافقين بين الإيمان والكفر، لأنّه لا طائل تحت معناه، فتعيّن أنّه من الاستعمال الأول، أي ليسوا من المؤمنين ولا من الكافرين.
وهم في التحقيق. ، إلى الكافرين.
كما دَلّ عليه آيات كثيرة.
كقوله :﴿ الذين يتُخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ﴾ [ النساء : ١٣٩ ] وقوله :﴿ وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين ﴾ [ النساء : ١٤١ ].


الصفحة التالية
Icon