فصل
قال الفخر :
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ ﴾
أيعذبكم لأجل التشفي، أم لطلب النفع، أم لدفع الضرر، كل ذلك محال في حقه لأنه تعالى غني لذاته عن الحاجات، منزّه عن جلب المنافع ودفع المضار، وإنما المقصود منه حمل المكلفين على فعل الحسن والاحتراز عن القبيح، فإذا أتيتم بالحسن وتركتم القبيح فكيف يليق بكرمه أن يعذبكم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ٧٠ ـ ٧١﴾
وقال القرطبى :
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ ﴾
استفهام بمعنى التقرير للمنافقين.
التقدير : أي منفعة له في عذابكم إن شكرتم وآمنتم ؛ فنبه تعالى أنه لا يعذب الشاكر المؤمن، وأنّ تعذيبه عباده لا يزيد في ملكه، وتركه عقوبتهم على فعلهم لا ينقص من سلطانه.
وقال مكحول : أربع من كنّ فيه كنّ له، وثلاث من كنّ فيه كنّ عليه ؛ فالأربع اللاتي له : فالشكر والإيمان والدعاء والاستغفار، قال الله تعالى :﴿ مَّا يَفْعَلُ الله بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾ وقال الله تعالى :﴿ وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ الله مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [ الأنفال : ٣٣ ] وقال تعالى :﴿ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَآؤُكُمْ ﴾ [ الفرقان : ٧٧ ].
وأما الثلاث اللاتي عليه : فَالمَكْرُ وَالبَغْيُ والنَّكْثُ ؛ قال الله تعالى :﴿ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ على نَفْسِهِ ﴾ [ الفتح : ١٠ ] وقال تعالى :﴿ وَلاَ يَحِيقُ المكر السيىء إِلاَّ بِأَهْلِهِ ﴾ [ فاطر : ٤٣ ] وقال تعالى :﴿ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ على أَنفُسِكُمْ ﴾ [ يونس : ٢٣ ]. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٥ صـ ٤٢٦ ـ ٤٢٧﴾.