وقال الآلوسى :
﴿ مَّا يَفْعَلُ الله بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَءامَنْتُمْ ﴾ خطاب للمنافقين وقيل : للمؤمنين، وضعف مسوق لبيان أن مدار تعذيبهم وجوداً وعدماً إنما هو كفرهم لا شيء آخر، فتكون الجملة مقررة لما قبلها من ( ثباتهم عند توبتهم )، و﴿ مَا ﴾ استفهامية مفيدة للنفي على أبلغ وجه وآكده، وقيل : نافية والباء سببية، وقيل : زائدة أي أيّ شيء يفعل الله سبحانه بسبب تعذيبكم أيتشفى به من الغيظ أم يدرك به الثأر أم يستجلب [ به ] نفعاً أو يستدفع به ضرراً كما هو شأن الملوك، وهو الغني المطلق المتعالي عن أمثال ذلك ؟ وإنما هو أمر يقتضيه مرض كفركم ونفاقكم فإذا احتميتم عن النفاق ونقيتم نفوسكم بشربة الإيمان والشكر في الدنيا برئتم وسلمتم وإلا هلكتم هلاكاً لا محيص عنه بالخلود في النار، وإنما قدم الشكر مع أن الظاهر تأخيره لأنه لا يعتد به إلا بعد الإيمان لما أنه طريق موصل إليه في أول درجاته، فقد ذكر العارف أبو إسماعيل الأنصاري أن الشكر في الأصل اسم لمعرفة النعمة لأنها السبيل إلى معرفة المنعم وله ثلاث درجات لأنه إذا نظر إلى النعمة كالرزق والخلق ينبعث منه شوق إلى معرفة المنعم وهذه الحركة تسمى باليقظة والشكر القلبي والشكر المبهم لأن منعمه لم يتضح له تعيينه، وإنما عرف منعماً مّا فهو منعم عليه فإذا تيقظ لهذا وفق لنعمة أكبر منها، وهي المعرفة بأن المنعم عليه هو الصمد الواسع الرحمة المثيب المعاقب فتتحرك جوارحه لتعظيمه ؛ ويضيف إلى شكر الجنان شكر الأركان، ثم ينادي على ذلك الجميل باللسان، ويقول :
أفادتكم النعماء مني ثلاثة...
يدي ولساني والضمير المحجبا