وبالجملة السائل هم أهل الكتاب جميعا ووجه الكلام معهم لاشتراكهم في الخصيصة القومية وهو التحكم والقول بغير الحق والمجازفة وعدم التقيد بالعهود والمواثيق، والكلام جار معهم فيما اشتركوا فإذا اختص منهم طائفة بشئ خص الكلام به.
والذى سألوه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هو أن ينزل عليهم كتابا من السماء، ولم يسألوه ما سألوه قبل نزول القرآن وتلاوته عليهم كيف والقصة إنما وقعت في المدينة وقد بلغهم من القرآن ما نزل بمكة وشطر مما نزل بالمدينة ؟ بل هم ما كانوا يقنعون به دليلا للنبوة،
ولا يعدونه كتابا سماويا مع أن القرآن نزل فيما نزل مشفعا بالتحدى ودعوى الاعجاز كما في سور : أسرى، ويونس، وهود، والبقرة النازلة جميعا قبل سورة النساء.
فسؤالهم تنزيل الكتاب من السماء بعد ما كانوا يشاهدونه من أمر القرآن لم يكن إلا سؤالا جزافيا لا يصدر إلا ممن لا يخضع للحق ولا ينقاد للحقيقة وإنما يلغو ويهذو بما قدمته له أيدى الاهواء من غير أن يتقيد بقيد أو يثبت على أساس، نظير ما كانت تتحكم به قريش مع نزول القرآن، وظهور دعوته فتقول على ما حكاه الله سبحانه عنهم :" لولا أنزل عليه آية من ربه " ( يونس : ٢٠ ) " أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه " ( الإسراء : ٩٣ ).
ولهذا الذى ذكرناه أجاب الله سبحانه عن مسألتهم ( أولا ) بأنهم قوم متمادون في الجهالة والضلالة لا يأبون عن أنواع الظلم وإن عظمت، والكفر والجحود وإن جاءت البينة، وعن نقض المواثيق وإن غلظت وغير ذلك من الكذب والبهتان وأى ظلم، ومن هذا شأنه لا يصلح لاجابة ما سأله والاقبال على ما اقترحه.
و( ثانيا ) أن الكتاب الذى أنزله الله وهو القرآن مقارن لشهادة الله سبحانه وملائكته وهو الذى يفصح عن التحدي بعد التحدي بآياته الكريمة.