فصل


قال الفخر :
حكى تعالى عنهم سائر جهالاتهم وإصرارهم على أباطيلهم : فأحدها : أنه تعالى رفع فوقهم الطور بميثاقهم، وفيه وجوه : الأول : أنهم أعطوا الميثاق على أن لا يرجعوا عن الدين.
ثم رجعوا عنه وهموا بالرجوع، فرفع الله فوقهم الطور حتى يخافوا فلا ينقضوا الميثاق.
الثاني : أنهم امتنعوا عن قبول شريعة التوراة فرفع الله الجبل فوقهم حتى قبلوا، وصار المعنى : ورفعنا فوقهم الطور لأجل أن يعطوا الميثاق بقبول الدين.
الثالث : أنهم أعطوا الميثاق على أنهم إن هموا بالرجوع عن الدين فالله يعذبهم بأي نوع من أنواع العذاب أراد، فلما هموا بترك الدين أظل الله الطور عليهم وهو المراد من قوله ﴿وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطور بميثاقهم ﴾.
وثانيها : قوله :﴿وَقُلْنَا لَهُمُ ادخلوا الباب سُجَّداً﴾ ومضى بيانه في سورة البقرة.
وثالثها : قوله ﴿وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِى السبت وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ ميثاقا غَلِيظاً﴾. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ٧٧﴾
قال الآلوسى :
﴿ وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطور ﴾ وهو ما روي عن قتادة جبل كانوا في أصله فرفعه الله تعالى فجعله فوقهم كأنه ظلة، وكان كمعسكرهم قدر فرسخ في فرسخ وليس هو على ما هو في "البحر" الجبل المعروف بطور سيناء، والظرف متعلق برفعنا وجوز أن يكون حالاً من الطور أي رفعنا الطور كائناً فوقهم ﴿ بميثاقهم ﴾ أي بسبب ميثاقهم ليعطوه على ما روي أنهم امتنعوا عن قبول شريعة التوراة فرفع عليهم فقبلوها، أو ليخافوا فلا ينقضوا الميثاق على ما روي أنهم هموا بنقضه فرفع عليهم الجبل فخافوا وأقلعوا عن النقض، قيل : وهو الأنسب بقوله تعالى بعد :﴿ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ ميثاقا غَلِيظاً ﴾، وزعم الجبائي أن المراد بنقض ميثاقهم الذي أخذ عليهم بأن يعملوا بما في التوراة فنقضوه بعبادة العجل، وفيه إن التوراة إنما نزلت بعد عبادتهم العجل كما مر آنفاً فلا يتأتى هذا، وقال أبو مسلم : إنما رفع الله تعالى الجبل فوقهم إظلالاً لهم من الشمس جزاءاً لعهدهم وكرامة لهم، ولا يخفى أن هذا خرق لإجماع المفسرين، وليس له مستند أصلاً.


الصفحة التالية
Icon