ولنا هنا وقفة لفظية مع قوله الحق :﴿ فَبِمَا نَقْضِهِم ﴾ لأن الفهم السطحي لأصول الأسلوب قد يتساءل : لماذا جاءت " ما " هنا؟ وبعضهم قال : إن " ما " هنا زائدة.
ونقول : إياك أن تقول إن في كلام الله حرفاً زائداً ؛ لأن معنى ذلك أن المعنى يتم بغير وجوده ويكون فضولاً وزائدا على الحاجة ولا فائدة فيه، ولكن عليك أن تقول :" أنا لا أفهم لماذا جاء هذا الحرف "، خصوصاً ونحن في هذا العصر نعيش كأمة بلاغتها مصنوعة، ولا نملك اللسان العربي المطبوع. ولولا أننا تعلمنا العربية لما استطعنا أن نتكلمها. أما العربي الفصيح الذي نزل عليه القرآن فقد كان يتكلم اللغة العربية دون أن يجلس إلى معلم، ولم يتلق العلم بأن الفاعل مرفوع والمفعول منصوب بل تكلم اللغة بطبيعته وملكته.
أما نحن فنعيش في زمن مختلف. وطغت علينا العجمة وامتلأت آذاننا باللحن، وصرنا نُعلّم أنفسنا قواعد اللغة العربية حتى نتكلم بأسلوب صحيح.
وقد جاءت القواعد في النحو من الاستنباط من السليقة العربية الأولى التي كانت بغير تعليم. واستقرأ العلماء الأساليب العربية فوجدوا أن الفاعل مرفوع والمثنى يُرفع بالألف، وجمع المذكر السالم يُرفع ب " الواو " ؛ وهكذا أخذنا القواعد من الذين لا قواعد لهم بل كانوا يتكلمون بالسليقة وبالطبيعة والملكة.
لقد سمع العربي قديماً ساعة نزل القرآن قوله الحق :﴿ فَبِمَا نَقْضِهِم ﴾ ولم ينتبه واحد منهم إلى أن شيئاً قد خرج عن الأسلوب الصحيح، ونعلم أن بعضاً من العرب كانوا كافرين برسول الله ﷺ، ولا يصدقون القرآن، ولو كانت هناك واحدة تخرج عن المألوف في اللغة لصرخوا بها وأعلنوها. ولكن القرآن جاء بالكلام المعجز على لسان محمد ﷺ ليبلغهم به، موضحاً : جئت بالقرآن معجزة تعجزون عن محاكاته ؛ مع أنكم عرب وفصحاء.