وقال ابن المستنير :﴿ إلا من ظلم ﴾ معناه إلا من أكره على أن يجهر بسوء من القول كفراً أو نحوه، فذلك مباح، والآية في الإكراه، واختلف المتأولون على القراءة بفتح الضاد واللام، فقال ابن زيد : المعنى " إلا من ظلم " في قول أو فعل، فاجهروا له بالسوء من القول في معنى النهي عن فعله والتوبيخ والرد عليه، قال : وذلك أنه لما أخبر الله تعالى عن المنافقين أنهم في الدرك الأسفل من النار، كان ذلك جهراً بالسوء من القول. ثم قال لهم بعد ذلك ﴿ ما يفعل الله بعذابكم ﴾ [ النساء : ١٤٧ ] الآية، على معنى التأنيس والاستدعاء إلى الشكر والإيمان، ثم قال للمؤمنين :" ولا يحب الله أن يجهر بالسوء من القول إلا لمن ظلم " في إقامته على النفاق، فإنه يقال له : ألست المنافق الكافر الذي لك في الآخرة الدرك الأسفل؟ ونحو هذا من الأقوال، وقال قوم معنى الكلام :" ولا يحب الله أن يجهر أحد بالسوء من القول " ثم استثنى استثناء منقطعاً، تقديره : لكن من ظلم فهو يجهر بالسوء وهو ظالم في ذلك وإعراب ﴿ من ﴾ يحتمل في بعض هذه التأويلات النصب، ويحتمل الرفع على البدل من أحد المقدر، و" سميع عليم " : صفتان لائقتان بالجهر بالسوء وبالظلم أيضاً، فإنه يعلمه ويجازي عليه. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ٢ صـ ﴾
ومن فوائد الإمام القرطبى فى الآية
قال رحمه الله :
﴿ لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا (١٤٨)﴾
فيه ثلاث مسائل :
الأُولى قوله تعالى :﴿ لاَّ يُحِبُّ الله الجهر بالسوء مِنَ القول ﴾ وتمّ الكلام.
ثم قال جل وعز :﴿ إِلاَّ مَن ظُلِمَ ﴾ استثناء ليس من الأوّل في موضع نصب ؛ أي لكن من ظلِم فله أن يقول ظلمني فلان.
ويجوز أن يكون في موضع رفع ويكون التقدير ؛ لا يحب الله أن يجهر أحد بالسوء إلا من ظلم.
وقراءة الجمهور "ظُلِم" بضم الظاء وكسر اللام ؛ ويجوز إسكانها.


الصفحة التالية
Icon