ومن قرأ "ظَلَم" بفتح الظاء وفتح اللام وهو زيد بن أسلم وابن أبي إسحاق وغيرهما على ما يأتي، فلا يجوز له أن يسكّن اللام لخفة الفتحة.
فعلى القراءة الأُولى قالت طائفة : المعنى لا يحب الله أن يجهر أحد بالسوء من القول إلا من ظُلم فلا يُكره له الجهر به.
ثم اختلفوا في كيفية الجهر بالسوء وما هو المباح من ذلك ؛ فقال الحسن : هو الرجل يظلم الرجل فلا يدع عليه، ولكن ليقل : اللهم أعِنِّي عليه، اللهم استخرج حقي، اللهم حُلْ بينه وبين ما يريد من ظلمي.
فهذا دعاء في المدافعة وهي أقل منازل السوء.
وقال ابن عباس وغيره : المباح لمن ظُلم أن يدعو على من ظلمه، وإن صبر فهو خير له ؛ فهذا إطلاق في نوع الدعاء على الظالم.
وقال أيضاً هو والسدي : لا بأس لمن ظُلِم أن ينتصر ممن ظلمه بمثل ظلمه ويجهر له بالسوء من القول.
وقال ابن المستنير :"إلا من ظلِم" معناه ؛ إلا من أكره على أن يجهر بسوء من القول كفرٍ أو نحوه فذلك مباح.
والآية على هذا في الإكراه ؛ وكذا قال قُطْرُب :﴿ إِلاَّ مَن ظُلِمَ ﴾ يريد المكره ؛ لأنه مظلوم فذلك موضوع عنه وإن كفر ؛ قال : ويجوز أن يكون المعنى ﴿ إِلاَّ مَن ظُلِمَ ﴾ على البدل ؛ كأنه قال : لا يحب الله إلا من ظلم، أي لا يحب الله الظالم ؛ فكأنه يقول : يحب من ظلم أي يأجِر من ظلم.
والتقدير على هذا القول : لا يحب الله ذا الجهر بالسوء إلا من ظلم، على البدل.
وقال مجاهد : نزلت في الضيافة فرخص له أن يقول فيه.
قال ابن جريج عن مجاهد : نزلت في رجل ضاف رجلاً بفلاةٍ من الأرض فلم يضيفه فنزلت "إلا من ظلِم" ورواه ابن أبي نجيح أيضاً عن مجاهد ؛ قال : نزلت هذه الآية ﴿ لاَّ يُحِبُّ الله الجهر بالسوء مِنَ القول إِلاَّ مَن ظُلِمَ ﴾ في الرجل يمر بالرجل فلا يضيفه فرخص له أن يقول فيه : إنه لم يحسن ضيافته.
وقد استدل من أوجب الضيافة بهذه الآية ؛ قالوا : لأن الظلم ممنوع منه فدل على وجوبها ؛ وهو قول الليث بن سعد.


الصفحة التالية
Icon