والجمهور على أنها من مكارم الأخلاق وسيأتي بيانها في "هود" والذي يقتضيه ظاهر الآية أن للمظلوم أن ينتصر من ظالمه ولكن مع اقتصاد إن كان مؤمناً كما قال الحسن ؛ فأما أن يقابل القذف بالقذف ونحوه فلا ؛ وقد تقدّم في "البقرة".
وإن كان كافراً فأرسل لسانك وادع بما شئت من الهلكة وبكل دعاء ؛ كما فعل النبي ﷺ حيث قال :" اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سِنين كسِنِي يوسف " وقال :" اللهم عليك بفلانٍ وفلانٍ " سماهم.
وإن كان مجاهراً بالظلم دعى عليه جهراً، ولم يكن له عِرض مُحترم ولا بَدَن مُحترم ولا مال محترم.
وقد روى أبو داود :" عن عائشة قالت : سرق لها شيء فجعلت تدعو عليه ؛ فقال رسول الله ﷺ :"لا تُسبِّخِي عنه" " أي لا تخفِّفي عنه العقوبة بدعائِك عليه.
وروي أيضاً عن عمرو بن الشَّريد عن أبيه عن رسول الله ﷺ قال :" ليّ الواجِد ظلم يُحِل عِرضه وعقوبته " قال ابن المبارك : يحِل عِرضه يغلظ له، وعقوبته يحبس له.
وفي صحيح مسلم :" مطل الغنى ظلم " فالموسر المتمكن إذا طولب بالأداء ومطل ظلم، وذلك يبيح من عِرضه أن يقال فيه : فلان يمطل الناس ويحبس حقوقهم ويبيح للإمام أدبه وتعزيره حتى يرتدع عن ذلك ؛ حكى معناه عن سفيان، وهو معنى قول ابن المبارك رضي الله عنهما.
الثانية وليس من هذا الباب ما وقع في صحيح مسلم من قول العباس في عليّ رضي الله عنهما بحضرة عمر وعثمان والزبير وعبد الرحمن بن عوف : يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا الكاذب الآثم الغادر الخائن.
الحديث.
ولم يردّ عليه واحد منهم ؛ لأنها كانت حكومة، كل واحد منهما يعتقدها لنفسه، حتى أنفذ فيها عليهم عمر الواجب ؛ قاله ابن العربي.