ولما ذكر الإرادة ذكر ما نشأ عنها فقال :﴿ويقولون نؤمن ببعض﴾ أي من الله ورسله كاليهود الذين آمنوا بموسى عليه الصلاة والسلام وغيره إلا عيسى ومحمداً ﷺ فكفروا بهما ﴿ونكفر ببعض﴾ أي من ذلك وهم الرسل كمحمد ﷺ ﴿ويريدون أن يتخذوا﴾ أي يتكلفوا أن يأخذوا ﴿بين ذلك﴾ أي الإيمان والكفر ﴿سبيلاً﴾ أي طريقاً يكفرون به، وعطف الجمل بالواو - وإن كان بعضها سبباً لبعض - إشارة إلى أنهم جديرون بالوصف بكل منها على انفراده، وأن كل خصلة كافية في نسبة الكفر إليهم، وقدم نتيجتها، وختم بالحكم بها على وجه أضخم، تفظيعاً لحالهم، وأصل الكلام : أرادوا سبيلاً بين سبيلين، فقالوا : نكفر ببعض، فأرادوا التفرقة، فكفروا كفراً هو في غاية الشناعة على علم منهم، فأنتج ذلك :﴿أولئك﴾ أي البعداء البغضاء ﴿هم الكافرون﴾ أي الغريقون في الكفر ﴿حقاً﴾ ولزمهم الكفر بالجميع لأن الدليل على نبوة البعض لزم منه القطع بنبوة كل من حصل منه مثل ذلك الدليل، وحيث جوز حصول الدليل بدون المدلول تعذر الاستدلال به على شيء كالمعجزة، فلزم حينئذ الكفر بالجميع، فثبت أن من كذب بنبوة أحد من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لزمه الكفر بجميع الأنبياء، ومن لزمه الكفر بهم لزمه الكفر بالله وكل ما جاء به.


الصفحة التالية
Icon