وجُمع الرسل لأنّ اليهود كفروا بعيسى ومحمد عليهما السلام، والنصارى كفروا بمحمد ﷺ فجمع الرسل باعتبار مجموع الكفّار، أو أراد بالجمع الاثنين، أو أراد بالإضافة معنى الجنس فاستوى فيه صيغة الإفراد والجمع، لأنّ المقصود ذمّ مَن هذه صفتهم بدون تعيين فريق، وطريق العرب في مثل هذا أن يعبّروا بصيغة الجموع وإن كان المعرّض به واحداً كقوله تعالى :﴿ أم يحسدون الناس ﴾ [ النساء : ٥٤ ] وقوله :﴿ الذين يبْخلون ويأمرون الناس بالبخل ﴾ [ النساء : ٣٧ ] ﴿ يحكم بها النبيئون الذين أسلموا للذين هادوا ﴾ [ المائدة : ٤٤ ] وقول النبي ﷺ " مَا بال أقوام يشترطون شروطاً ".
وجيء بالمضارع هنا للدلالة على أنّ هذا أمر متجدّد فيهم مستمرّ، لأنَّهم لو كفروا في الماضي ثم رجعوا لما كانوا أحرياء بالذمّ.
ومعنى كفرهم بالله : أنَّهم لمّا آمنوا به ووصفوه بصفات غير صفاته من التجسيم واتّخاذ الصاحبة والولد والحلول ونحو ذلك، فقد آمنوا بالاسم لا بالمسمّى، وهم في الحقيقة كفروا بالمسمّى، كما إذا كان أحد يظنّ أنَّه يعرف فلاناً فقلت له : صفه لي، فوصفه بغير صفاته، تقول له :"أنت لا تعرفه" ؛ على أنّهم لمَّا كفروا بمحمد ﷺ فقد كفروا بما جاء به من توحيد الله وتنزيهه عن مماثلة الحوادث، فقد كفروا بإلهيته الحقّة، إذ منهم من جسّم ومنهم من ثلّث.
ومعنى قوله :﴿ ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ﴾ أنّهم يحاولون ذلك فأطلقت الإرادة على المحاولة، وفيه إيذان بأنَّه أمر صعب المنال، وأنَّهم لم يبلغوا ما أرادوا من ذلك، لأنّهم لم يزالوا يحاولونه، كما دلّ عليه التعبير بالمضارع في قوله :﴿ ويريدون ﴾ ولو بلغوا إليه لقال : وفرّقوا بين الله ورسله.